الأربعاء، 29 فبراير 2012

قطرات من الخطرات


علي المسعودي




سئل الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابو عبدالله محمد بن الشيخ تقي الدين أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية:
ماتقول في رجل ابتلي ببلية وعلم انها لو ايتمرت به أفسدت عليه دنياه وآخرته وقد اجتهد بدفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد ألا توقدا وشدة فما الحيلة في دفعها؟

كان جواب ابن القيم رحمه الله في كتاب حمل عنوان (الداء والدواء) استمتعت بقراءته خلال الأيام الماضية... فأخذت منه هذه العبارات:
-         لو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى تأثيرها العجيب
-         إن الدعاء من قلب غير مقبل على الله بمنزلة القوس الرخو يخرج منه السهم ضعيفا
-         ان الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه
-         قال ابو ذر: يكفي الدعاء مع البر مايكفي الطعام من الملح
-         الدعاء عدو البلاء
-         إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه
-         الأدعية بمنزلة السلاح... والسلاح بضاربه لا بحدِه فقط
-         إن المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له
-         من الحمق رجاؤك رحمة من لاتطيعه
-         من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لاتأمن أن تكون عقوبته في الآخرة علةى نحو من هذا
-         لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنا خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف
-         أوحى الله إلى بعض الأنبياء: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لايعرفني
-         قليل يغنيكم خير من كثير يطغيكم
-         إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته
-         ليس على القلب أمرُ من وحشة الذنب على الذنب
-         المعاصي تزرع أمثالها
-         من ثواب الحسنة.. الحسنة بعدها
-         قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه, ولو عزوا عليه لعصمهم
-         الذنب على الذنب... حتى يعمى القلب
-         وجد في خزائن بني أمية حنطة.. الحبة بقدر نواة التمر، وهي في صرة مكتوب عليها: هذا كان ينبت في زمن العدل.
-         من استحيى من الله عند معصيته استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه
-         في بعض الآثار الإلهية عن الرب تبارك وتعالى انه قال: (وعزتي وجلالي لايكون عبد من عبيدي على ماأحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى مايكره.
-         القلوب لاتتعطى مناها حتى تصل إلى مولاها.
-         لا سجن أضيق من سجن الهوى ولا قيد أصعب من قيد الشهوة.
-         القلب مثل الطائر: كلما علا بعد عن الآفات.
-         كيف يكون عاقلا من يستعين بنعم الله على مساخطه.
-         عقوبة القلب أشد من عقوبة الأبدان
-         لاأشقى ممن لم تسعه رحمة الله التي وسعت كل شيء.
-         قال حذيفة بن اليمان: (القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر.. فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلف فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس فذلك قلب المنافق، وقلب تمدُه مادتان: مادة إيمان ومادة نفاق.. وهو لما غلب عليه منهما).
-         قد يخسف بالقلب كما يخسف بالمكان!
-         كم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر الله عليه ومستدرج بنعم الله عليه!
-         منعتهم ذنوبهم أن يقطعوا المسافة بينهم وبين قلوبهم.
إذا اردت أن تعرف حبه لك.. فانظر ما منه إليك

الاثنين، 27 فبراير 2012

اقفز: من خيالي.. إليّ (عن وميض البرق: مستورة الأحمدي



 علي المسعودي
@allmasoudi 

يا أماني تبنّت كل حلم سعيد
فيك أنا فـْ لطف من يخرج من الميت حيّ
إنحنى ظهر كفي لـ اتجاهٍ وحيد
...................................
مرات عديدة سمعت - عبر اليوتيوب - قصيدة الشاعرة (مستورة الأحمدي) رحمها الله التي تناجي فيها ولدها..
...
ومازلت أتشوق للاستماع بهذا الابداع الناعم الجميل الخالي من كل زيف ومن كل تصنع،
بعيدا عن قصائد المدح المجانية ذات الثمن المؤجل التي يسكب فيها الشعراء ماء وجوههم في قارعة الطريق ويبيعون شوق القارئ إلى صدقهم بثمن بخس أو باهظ..
لقد فقدنا روح الشاعر المتمردة الرافضة
كما فقدنا شفافية الشاعر وحزنه وأمنياته الصغيرة ونفسه الحالمة الرقيقة..
والآن احتار بأي نفس أكتب عن هذه القصيدة
هل بنفس كاتب يريد إثبات جودة القصيدة فيبالغ في الإيغال؟
أم بنفس متلق احب ما سمع فأحس بطفولته تنهض فجأة لأن الشاعرة كانت تنوب عن أمه وعن كل أم؟
أم بروح ممتن عاد إليه الحنين القديم وقد أيقن أن (زمان الحنين انتهى ومات الكلام الجميل)؟
أيا كان...
سأملي على الورق مايحضر أمام قلبي من كل الرطب الذي أسقطته تلك النخلة الباسقة من الشعر
***
تقيم مستورة الأحمدي وليمة للأمنيات
تستدعي قلبها كي يحضر حفلا لمشروع سعادة.. فالجدب لايطاق وقد طال أمده وبلغ أوجه،
لاترفع يد الطلب إلا باتجاه أوحد..
فالروح التي قتلتها الوحدة فيها من الخصوبة ما يبعث الأمل.
بهذه المعاني تفتتح الشاعرة إحدى أشف وألطف القصائد:
................
(كهيعص؛ ذكر رحمت ربك عبده زكريا؛ إذ نادى ربه نداء خفيا...)
ورب زكريا هو رب مستورة أيضا... إذن:

(................
وهلّ غيث استجابه هز قاعي بـ ريّ)
أحسنت الشاعرة افتتاح لهفتها وبدأ نبض الحياة يسري في العروق الجامدة.. وأمطر صوت الطفولة.. ليفك ريق النشيد:

بين شريان حب وبين لهفة وريد:
مرجح القلب واقفز من خيالي إليّ
أول العمر صرخة فك ريق النشيد
رد ضحكة فم الوردة لـ قطرات ميّ

ومن ورطة الكتابة ومجازفاتها أن تكتب عن قصيدة جميلة ومحبوكة وناعمة مثل هذه،
ولعل أجمل ما اقتنصت الشاعر من صور... هذه الصورة التي تنفس فيها الصبح في الوقت الذي تنفس فيها الوليد... واستبقا الباب ليقدا قميص حزنها.. واختلط الوجهان... فاحتضنتهما معا:
توأم الفجر يا وجه الحياة الرغيد
من هو اللي سبق منكم وصبّح عليّ ؟

آسف... هناك صورة أجمل من الصورة الشعرية التي مضت.. فالأدوار تم تبادلها.. وقبل أن تكسو الأم وليدها كسوته الأولى.. كساها هو ثوبا حاز المركز الأول في معرض أزياء الحياة.. لأنه ثوب الحياة:
إيه يا طفل لبّس دنيتي ثوب عيد
فاز في عرض زينتها على كل زي

لا.. هناك صورة شعرية أجمل من كل مامضى.. فالطفل لابد أن يكون أبا فورا:
ضمني لين ترويني محبة و زيد
داخلي طفل أصغر منك يحتاج بيّ
صيح واحتج واكسر فل صمت الحديد
ضقت من وحدةٍ خرسا لها الدمع خيّ

ثم تتوالى طلبات (الأم/ الابنه) وهي تشرع في نثر طلبات طفوتها المؤجلة،
تريد كل شيء
وستخبره بكل شيء
مثل عزيز يعود من سفر طويل فنسعى أن نخبرة في ساعة بكل ماحدث أثناء غيابه...
جاء الطفل ليكون الرجل في غياب واضح ومقصود لوالده ووالدها.. هيا اكتب فوق ورق طال عصف الشمس له:
 
شق صفر الدفاتر ثور ثورة عنيد
واضحك بحب يضحك لي معك كل شيّ
كفر القيظ عن ذنبه بطلعٍ نضيد
صارت يديك أغصان و محانيك فيّ

ثم يختفي صوت الطفلة ويحضر صوت الأم.. لمحة لغوية رائقة في (ونيّف)... وأرق في إيحاء (هل من مزيد).. وأدق في (الرشد غي)... تتبدى قليلا لمحات الحكمة وستتكشف فيما بعد..
كل عام ويقصر ثوب طفلي الجديد
وانطوى عقد مع نيّف من العمر طيّ
مر بالطيش واقصر وان دعاك المزيد
كون فارق ولا تلبس على الرشد غيّ

وفيما يأتي سنعرف الفارق بين نصائح الأبوة ووصايا قلب الأمومة... لأنها توصي باحترام حالات الدمع وهو مالا يمكن أن يحصل مع الرجل:
لا تعالى على دمعك بحجة شديد
لا تظن البطولة هدّ وابطش وعيّ
في هوى النفس آفة كل رايٍ سديد
والمحبه علاج وآخر الطبّ كيّ
طير بـ جْناح إيمانك وعزمك بعيد
كم طموحٍ لوى يد الصعيبات لي
واترك اسمك احني بك كفوف القصيد
لانّ كل المتاح لـْ رسم بعضك شويّ


ومن السهل لمستشف معاني القصيدة أن يعرف سبب معاناة الشاعرة من غياب الوالد... وتعمدها تغييب الزوج... لكن لماذا غيبت اسم ابنها عن  قصيدة تخاطبه بها؟..
...
ما أوجع أن تغيب في قلب المبدع المعاني مثل غصّة..
ما أوجع أن يغيب المبدع غيابا باكرا..
كانت مستورة هنا.. وقد مرّت كوميض برق خاطف،أغزر وأعمق من أن تتجاهله الذاكرة، وأسرع من أن تحبس شعاعه في إطار له صورة..


السبت، 25 فبراير 2012

هل تذكر يا د. غانم ؟





علي المسعودي



للأيام الأولى من تحرير الكويت عام 1991 نكهة سعادة رائعة بطعم دخان الآبار
لها نشوة الحرية عندما ينفتح باب السجن..
وبعد أن جاء صوت الحرية
جاءني صوت أستاذي الدكتور غانم النجار ؛ يدعوني للتطوع في  «جمعية الدفاع عن ضحايا الحرب»، التي تهدف إلى فضح جرائم حزب البعث  وكشف التعذيب الذي مارسه جلاوزته على كويتيي الداخل، وأساليب وأدوات ذلك التعذيب، وعلى الفور قمت بدعوة عدد من الزملاء واتجهنا إلى المقر الذي كان عبارة عن مدرسة وافقت وزارة التربية أن تستغلها الجمعية.. ومهما نسيت فلا أنسى ذلك الإفطار الجماعي البسيط في أول يوم رمضان بعد التحرير الذي أعددناه في الهواء الطلق مع المتطوعين من الشباب والفتيات، في وقت كانت فيه الكويت تعيش بلا كهرباء، تحت لوحة سماوية شكلتها الآبار المحترقة.
هناك كانت الاجتماعات اليومية مع عدد كبير من المتطوعين يتصدرهم النجار، وأذكر منهم د.علي الدمخي وحرمه، والزملاء د.أحمد الفضلي وجاسم الشمري وأحمد الجبر وعلي الجاسم وآخرين غابوا في الذاكرة.. شباب وفتيات يملؤون غرف المدرسة وساحاتها، كل منهم يعمل لنصرة شعب مظلوم.. مر عليه سبعة أشهر سوداء لم يذق فيها طعم الاطمئنان.. سلبت منه هويته فجأة وأصبح بلا وطن.
كان الكويتي في تلك الأشهر ممن صمد في الكويت مثل حال أي شخص (بدون):


يعيش بلا أمان، مسلوب الهوية، يخاف من تقديم إثباته، تحاصر الدبابات بيته، غير معترف بوجوده، لا يملك سيارته لأنها قد تصادر في أي لحظة، لا يستطيع التعبير عن رفضه لما يحدث، ليس من حقه التصريح، ولا التظاهر.. وقد حضرت بنفسي أول مظاهرة للكويتيين في بلدهم الكويت المسلوبة.. وكانت الوجوه خائفة مذعورة حزينة، لكن فيها الإصرار العجيب على الثبات، من تجذر في أرض فمن الصعب اقتلاعه منها..
كان الكويتي لا يطالب إلا بوجوده، وحقه في الانتماء، وكانت سلطة المحتل لا تعرف إلا لغة العنف..
وقد أثبتت الظروف أن لغة العنف هي الأضعف، ولغة الحجة هي الأبقى..

وأن البدون.. هو إنسان كامل الإنسانية من حقه أن يعيش بكرامته.
هل تذكر يا د. غانم...؟


الاثنين، 13 فبراير 2012

.. ومسوي نفسك مطوّع!

علي المسعودي


في هذا الزحام الفضائي، الإلكتروني، والعري البشري الحي والمباشر، أصبحت المغريات والمغويات أكثر مما يحلم به من يبحث عنها، وأكثر مما يتمنى صاحب المتعة، فالعرض أكثر من الطلب، إذ رخصت الأثمان، وسهلت الوسائل.
كل شيء أصبح يطلب يدك للحرام.. مال ونساء وأفلام وسياسة وفضائيات، وفي سوق الضمائر،
لكل ضمير سعره!
ومن هذا السوق الكبير الذي يسيطر على العالم فيبيع ويشتري فيه، يحاول «إنسان ما» أن يتلمس قلبه، ويزيل الغبار المترسب على ضميره، يذهب بعيدا عن كل ذلك، يهرب بأخلاقه ومبادئه، ويحافظ على ما بقي من طهارته، يعلم أن الوضع خطير، والمجاهدة مضاعفة.. سيحاول أن يفرز في مشاهداته للقنوات، ثم يفرز في البرامج، وسينقح صداقاته، وسيختار من قراءاته صفحات معينة من صحيفة معينة، وسيقاوم ملهيات لا حصر لها تحول بينه وبين إنسانيته.. وسيحارب بأساليب مختلفة كي يحصن عائلته بصفته راعيا ومسؤولا عن رعيته.
في السوق يغض البصر من كل ناحية.. فهناك حفلة سمر لا بشر تشري،
في الإنترنت سيقلب طرفه كل حين، ومع النساء سيختار كلماته بدقة أكثر كي يكون حاجز الميانة سميكا.. وسيحاول أن يرشد الناس بكلمة أو معلومة أو نصيحة أو حديث أو رسالة هاتفية..
لكنه رغم ذلك بشر مثله مثل غيره، يخطئ.. فهو قد تفلت منه كلمة ليست في محلها، وقد يطيل النظر لامرأة في لحظة ينسى بها نفسه.. فهو ابن رجل اسمه آدم نهاه ربه أن يقترب من الشجرة، ومع ذلك اقترب وأكل من ثمرها!
سيؤكد بشريته بخطأ ما.. لأنه ابن ذلك الرجل الصالح الذي عفا عنه ربه..
عندها سيسمع صوتا مستهزئا يقتنص الفرصة، وتقول: إنك ملتزم.. ؟!
صوت جاهل لا يعرف أين ينغرس خنجر كلماته، ستكون مثل حز حاد في القلب.. فهؤلاء يكرهون خروجك عن نطاقهم، ويفرحون بخطئك لأنهم «ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء».

الأحد، 12 فبراير 2012

أين بندر يا فاطمة ؟!

علي المسعودي
@allmasoudi



كان زميلي في الجريدة "بندر" ينصحني أن أعطي نفسي بين ساعات العمل 20 دقيقة راحة يوصي بها الأطباء، تبعد  الكلل وتحقق صفاء الذهن.
لذلك كان يطل عليّ في منتصف توقيت العمل كلّ يوم، يجلس في مكتبي وهو يقول لي: اطلب لي استكانة شاي، سأمنحك ثلث ساعة راحة من العمل!
ويجلس يحكي لي حياته وحكاياته.
بندر شاب لطيف نشط يملأ يومه بالعمل، وتشغل تفكيره هموم البدون، فهو من أبناء الجيل الرابع لهذه القضية التي شهد أصحابها ضغوطاً لا إنسانية حرمتهم من حق الهوية ومن حق التعبير والزواج والتملك والدراسة والعلاج، حتى أصبح منحهم هذه الأشياء بمثابة منحة وليس حقاً إلهيا مكتسبا واستحقاقاً انسانيا أقرته كل القوانين الوضعية.
بندر ينتظر مولوده الأول خلال شهر من الآن من زوجته زميلتنا "فاطمة" ليكرر المولود مأساة جديدة هي نسخة من مأساة والده وجدّه من قبله.. 
كان بندر منسق ملتقيات مميّز، يشرح للنشطاء ولهيومان رايتس الظروف الكئيبة التي يعيشها البدون على حافة الحياة بلا وظائف، في بيوت  هي صناديق من كيربي في بلد عاشت من خيراته دول كبرى وصغرى. وكان بندر يظهر في كل جمعة في ساحة في تيماء يرفع علم الكويت الذي يحب، وصورة الأمير الغالي ، يطلب حقه الطبيعي في حياة كريمة.
وفي اليوم التالي يطلعني على بعض الصور التي التقطها في تلك الساعات التي يعتبرها متنفسه الوحيد ونافذته الأثيرة للإطلال على شمس الحرية.
لكن بندر منذ ثلاثة أسابيع لم يطلّ علي.. 
ولم ألحظ حركته المعتادة في صالة التحرير. 
وبالأمس قلت لأختنا زوجته: أين بندر يافاطمة؟
تهدج صوتها: (في السجن مع البدون الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم)!!
هل من حقي الآن أن ارتاح 20 دقيقة بين ساعات العمل الطويلة.. بينما بندر قد يبشرونه بمولوده الأول وهو في سجن وطنه؟!

الأربعاء، 8 فبراير 2012

تسقط سلطة الخس!



علي المسعودي
@allmasoudi


كنت قبل أيام في أحد الفنادق يتقدمني في البوفيه عدد من الأوربيين الذين ينتظمون في دور مرتب يحافظ كل منهم على مكانه وحقه في التقدم كلما تقدم من هم في الأمام
 وقفت اطالع وأتفحص أبحث عن وجوه عربية..
كنت أفكر بطريقة أكسر فيها  النظام ... لكني سمعت شخصا ما من خلفي يقول لزميله: (سيبك من السلطة... خش ع الجمبري!)
 تجاوز الاثنان الطابور الذي يبدأ بالسلطة وذهبا إلى المقدمة حيث (الوجبة الرئيسية)!
طبعا...
في حالات الجوع العربي الشديد لاتنفعك السلطة.. فتشعر أنها لاتغني ولاتسمن من جوع.
السلطة مجرد شكل لاغير
ومن يبحثون عن (لقمة عيش) ويقفون في طوابير الخبز الطويلة لا يحترمون السلطة كثيرا... فهي مخصصة للمترفين الذين تتوفر في بيوتهم كل أنواع الأكل... بما فيه أكل الحقوق!
السلطة ليست لكل من هب ودب.. أو شتم وسب
السلطة لها ناسها... تعرف زبائنها... ومن يرغب بها ومن لا ترغب به.. وهي تبادلك مشاعرك.
السلطة كذبة كبيرة...
هي ليست أكثر من طماط وخيار مقصص ومخلوط... بطريقة عشوائية!
توهمك أنك شبعت
لكنك بعد لحظات ستجوع
و(الجوعى) لاتعالج السلطة جوعهم
وعندما يحدث أن يدخل الفقراء بوفيه عام في بلد عربي... يقفون أمام السلطة خائفين مرتجفين لا يعرفون كيف يتعاملون معها... فكأنها ستأكلهم قبل أن يأكلوها!!
ينظرون حولهم (هل يراكم من أحد) ... ولعل أحدهم يحمل صحن السلطة (لإثبات حسن النية) فقط... ولو ذهبت إلى طاولته بعد الأكل ستجد أنه لم يلمس طبق السلطة... لأن (الغلابا) لايتعاطون السلطة ولا يستطيعون هضم أطباقها!
الشعب العربي يحب العيش لأنه (مصدر السلطات جميعا)
السلطة لا تغني عن العيش... لكن العيش يغني عن السلطة
أعطني عيش... وخذ السلطة
يمكن للشعب العربي أن يقبل وليمة بلا سلطة... لكنه يعيش اليوم أمام سلطة بلا وليمة!
السلطة خس وجرجير... والشعوب تتضور جوعا و تريد (لحم)
السلطة في واد... والشعوب في واد آخر
أنا لا أحب السلطة
عفوا....
أنا لا أحب السلطة فقط في البوفيه العربي
يعيش العيش... وتسقط السلطة
يسقط الطماطم العربي...
يسقط الخيار العربي....
يسقط الجرجير المزروع تحت السرير
تسقط السلطة العربية... يسقط البوفيه..
ويحيا الخبز... الحاف!

الجمعة، 3 فبراير 2012

فيديو كليب..


 أبتعد قليلا لتتضح الصورة أكثر..


(ماينسينا الخطا حب الخشوم - وما يطهرك المطر 20 عام)

بيت ملىء المعاني لخالد الفيصل
...

والذي يغسله المطر عشرين عاما متتابعة ثم لا يطهر،.. بالتأكيد أنه نجس في الأصل وأن النجاسة ليست طارئة عليه... 
فهناك فرق بين النجس والمتنجس
..فلو وضعنا خنزيرا تحت صنبور ماء شهرا كاملا واستخدمنا كل انواع المطهرات وفركناه برمل وصابون ... سيظل الخنزير نجسا، لأنه نجس بذاته..وهذا الحكم ينطبق على (الفاسد.. والمفسد).فالفاسد قد يكون أي أحد منا، في لحظة ما يتصرف بشكل سيء فيجرح كرامة نفسه او
 نزاهته او ايمانه، مصداقا  لقول نبينا الكريم.. (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن). وفي رواية: والتوبة معروضة بعد
(قال النووي: أي لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة(
.أما المفسد فله حكاية أخرى...هو انسان لا يحب فعل الخبيث فحسب... بل يحب أن يشيعه في الناس..يهتم كثيرا بنشر الفساد، ويدافع عنه، ويهاجم الأشراف والعلماء والنبلاء ويطعن في الغافلات، ويشكك في الأعراض والأنساب... أحيانا يؤلّف ويدّعي، وأحيانا يقول الحقيقة، لكنه اذا رأى خيرا كتمه، وإذا رأى سوءا أذاعه.
يوظف أمواله لمحاربة الفضيلة... كأن يفتح قناة مخصصة للخلاعة التامة... مع شريط رسائل في اسفل الشاشة خاص للتعارف، ولا مانع من برنامج ديني لذر الرماد في العيون...بضاعة قناته هو اللحم بهيج المنظر لكنه فاسد... لحم مكشوف للجميع، لحم برّاق وجذاب، يبدي اشياء ويخفي اشياء، ويدع اجزاء مواربة تراها ولا تراها..هي عارية وهي كاسية في الوقت ذاته... منطقة "مصرصرة" ومنطقة متدلية ومنطقة تقول: ها أنا ذي.
والمصورون عرفوا اللعبة... (أديري لي ظهرك... وطالعيني بوجهك)... صورة للخلف والأمام معا، وكلٌّ يأخذ نصيبه.. وستدي صورتك غلافا للمجلة المشهورة.. وفي مواقع التساخف الاجتماعي

(صورة قذرة... مقدَّمة بشكل جميل) ، مثل قطعة كيك رائعة مكشوفة للذباب والجراثيم... 
مثل أشياء كثيرة قذرة أو مميته تُقدّم إلينا بشكل جميل|:انظر إلى فخامة علب السجائر وجاذبية قناني الخمر وأزياء الفنانات والممثلات والمومسات كلها علب فخمة لمحتويات نجسة وهناك قنينة خمر.. هي قناة (توسعت فأصبحت قنوات) مخصصة للجراثيم... رغم أنك عندما تطالعها تتحداك أن تغمض عينيك، لأنها تخاطب "حيوانيتك"تستفز مناطق الشهوة فيك... بضاعتها "جاتوه" خاص لجمع الجراثيم، تراه مثلما يراه آلاف غيرك، بضاعة المنحرفين الضالين، خريجات المشاكل الاجتماعية وسهر الليل الطويل..
في سورة النور: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)
هل يمكن ان تكون انسانا سليم القلب صحيح النوايا بعد أن تنتهي من مشاهدة فيديو كليب يقدم لك وجبة لحم لبناني على طبق من أنوثة تغوي كل غزيرة الإباحية وتجذب كل الحيوانية  لعري فج ومباشر ورخيص كما نرى؟
هل من حق صاحب القناة أن يدخل علينا من كل مكان ليمنهج الرذيلة، ويجمّل الفحش، ويمكيج المجون، ويشرعن الانحراف...؟
ماذنب امرأة مستورة عفيفة يقارنها زوجها بمغنية غانية يُجَنّد لها افضل مصممي الازياء ومتخصصي الموضة وأبرع صناّع التجميل؟
وماذنب مراهق يعيش في فورة مشاعره الجسدية تتلوى أمامه "أفعى بشريّة" ركز مخرج الفيديو كليب على كل مناطق الشهوة فيها..؟
ماذا يفعل بالعالم ذلك البرنس... ؟
...
هل فكرت يوما وأنت تدخل إلى محل تسجيلات ان الدينار والدينارين التي تدفعها ستذهب لدعم ذلك البرنس... مثلما أن الدينار الذي تدفعه في علبتين سجائر ذهبت لدعم وكيل فيليب موريس؟.... 
وهل تدري من هو فيليب موريس.. وماذا يعني شعاره الشهير
وهل تدري من يقف خلف الغناء الماجن.. وماذا يصيب قلبك منه
قبل 11 سنة أو أكثر... كنت أسير في طريق فحيحيل السريع عندما خففت من سرعتي واتجهت الى الحارة اليمنى... ثم حذفت من الشباك شريط نوال الزغبي، وكان ذلك آخر شريط غنائي سمعته، قررت عندها أن أنظف أذني... من كل تلك التأوّهات الحاسرة..

تكملة هذا المقال.. تجدها في مقال آخر بعنوان: (من قال إن الغناء حرام..)

شيء من الدياثة!

علي المسعودي
@allmasoudi


في المسائل الأخلاقية.. الحياد لا أخلاقي!
"بثينة العيسى"
يفخر المسؤول أمام ضيوفه بمحافظته على هويته "الاعتبارية".. فهو يلبس اللباس الوطني: غترة وعقال ودشداشة "تفصال كويتي"، وفي مطبخه يقدم أشهى المأكولات الوطنية: قبوط، مطبق،أحلى جريش وهريس، وألذ لقيمات... فهذه هويته التي لا يمكن أن يتخلى عنها.
وهو يقيم حفلا كبيرا يجعل فيه زوجته ترتدي ملابس جذابة، مبهرة، تزين صدرها بعقد نادر، وتطيل شعرها بوصلات كثيفة.. لتستقبل ضيوفه معه.. (ونسي أن يسأل نفسه: هل حافظ في هذا الفعل على هويته الاعتبارية"؟)
وأعرف للهوية جزأين: مادي، ومعنوي.
أما المادي فهو ما ذكر أعلاه يضاف إليه.. المباني القديمة، والحرف، والمشغولات، والألعاب.
أما المعنوي، وهو الأهم والأرسخ.. فتمثلة مجموعة القيم والعقائد والعادات الاجتماعية والقناعات العامة والتقاليد و"السلوم".
فماذا عمن تخلى عن الجزء المعنوى وحافظ على الجانب المادي البحت، فظهر أمام الآخر "المهيمن" .. بلباس عربي.. وفكر أعجمي، بمظهر أصيل.. وجوهر دخيل، بهيئة وطنية ومحتوى مستورد؟
ماذا نسمي ذلك؟
ماذا نسمي من يبرز عاداته المادية، لكنه يحاول أن يخفى عاداته المعنوية.. وهو يعلم علم اليقين ان لاقيمة له إلا عندما يكون هو.. هو، لا أن يكون الآخر.
وقد عرف عن العربي أنه شديد الغيرة على أشيائه عموما، شديد العفة على محارمه خصوصا، والثمن المباشرعنده للشرف هو الدم.. (يدفعه كاش)، والمساس بالشرف لاينحصر في الزنا فقط، فالاجتراء على الأنثى مساس بالشرف، واستابحة النظر الى المحارم  مساس بالشرف.
وقد جاء الاسلام في جزيرة العرب ليثبـّت ويؤصّل جانب الغيرة، ويجعله معنى ساميا ثم ينقله من الخصوصية العربية.. إلى العموم الاسلامي في الشرق والغرب.. ومن يقرأ "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" – الأحزاب- يعرف أي حدود ذهب إليها هذا الدين العظيم ليحقق تجليات الغيرة بأجمل وأسمى معانيها..
فهل يعي المسؤول الذي يقيم حفلا رمضانيا يقدم فيه زوجته في سفارة أو وزارة أنه يخرج من إطار الهوية العربية والإسلامية والوطنية ويكسرعرفا عاما، وأن حضور زوجته ما حظى إلا بالاعجاب الغريزي البحت والمحض، لأنها كانت في حفل الاستقبال قطعة ديكور مكملة للمشهد الجمالي تصافح وتبتسم، فالاعجاب بفكرها ليس له موضع هنا، بل مكانه في عملها وإنجازها، وأن هذا الاعجاب من هذا النوع الحسي كلما ازداد في الزوجه نقص عنده مباشرة، فالعملية عكسية لا طردية، فليته يعرف.
وقد يقول قائل إنه البروتوكول.. فأقول له، فأين هذا البروتول عن بقية المسؤولين لم لم يفعلوه، وهل يلزمه البروتوكول احضار زوجته، وهل يمنعها البروتوكول أن تقيم في بيتها حفلا خاصا بها تستقبل زوجات المسؤولين
وقد يقول قائل إنها حرية شخصية بحته، .. دع الرجل يكون حرا في ظهوره، فهذه ديبلوماسية..
اقول له.. هو حر في ظهوره الشخصي، عندما يكون في إجازة خاصة، فليفعل هو وزوجته ما يشاء وما يحلو لهما، لأنه في هذه الحالة يمثل نفسه.. وليكن كما يحب أن يكون.. بعيدا عن الناس، فالله هو الرقيب والحسيب.
لكنه عندما يمثل الوطن في ظهوره.. فعليه يظهر بهوية الوطن كاملة.. خاصة إذا كان شخصا نحبه، ولا نرضى أن يمسه أو يمس أهله سوء.. وهو ما حدث بالفعل مع أحد المسؤولين الذين نحبهم ولا نرضى لهم الزلل، ونغار على محارمهم.
إن من  تتجرأ وتلغى اسم والدها وتتسمى بزوجها، فقد خانت هويتها الاسلامية، ومن استقبلت ضيوف زوجها بصدر متأهب، فقد خانت هويتها الوطنية، ومن قدم لضيوفه طبق "مرقوق" مع كأس نبيذ فقد خان تقاليده، وكلما أسرف المسؤول في الغي جرح مواطنيه، وقد قال الشافعي: (من وضع نفسه موضع الشبهات فلا يلومن إلا نفسه).
اللهم أصلح أحوالنا وآمنّا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا..

دم المآذن لن يذهب هدرا..

الضعيف لا يغفر، فالمغفرة شيمة القوي.. (غاندي) 


مثلنا مثل كل أطفال الصفوف الابتدائية في مدرسة نعيم بن مسعود .. كنا في الفرصة  نلعب "مطاردة " اذ يغافل أحدنا صاحبه  فيضربه ضربة خفيفة ثم يهرب.. لتبدأ المطاردة اللطيفة.
..  هذه أصول اللعبة.
وأذكر أننا كنا.. لا نحب شخصا تافها وجبانا طويل الرقبة، لا يجيد نطق حرف السين، اسمه "ب".
كان هو مطقاقة الصف،  فهو انسان  "قملي" المنظر "قمئ" الملامح.. في وجهه الكثير من الغل.

وأهم اسباب كرهنا لـه ما حدث يوما عندما اقترب هذا الـ "ب" من صاحبنا "أحمد" وعلى حين غفلة من الجميع قفز من فوقه قفزة  قوية و"حاقدة" ثم ضربه بكوعه ضربة احترافية أسقطته أرضا وأفقدته تنفسه لنصف ساعة، وعندما أمسكنا بذلك الطفل المجرم.. أخذ يبكي - بطريقة تمثيلية- قبل أن نعاقبه، مبررا تصرفه أنه كان "يتغشمر"!
وقد لمحت في وجه "ب" تعابيرسعادة غريبة وهو يطالع "أحمد" الذي ينازع بحثا عن أوكسجين!
كانت بالفعل ضربه جبان إذا تمكن أسرف  في استخدم قوته.
ومثلي مثل آخرين، اضطررت في حياتي العملية أن أتعامل مع بعض الجهلة والجبناء، ووالله إن زمالتهم مرهقة، وعداوتهم عنيفة، وأساليبهم ملتوية، لا تستطيع مجاراتها ..
والجبان.. جاهل خبيث، إذا أعلن العداوة على النبيل "سيمرمطه"
الجبان عنيف.. يستخدم أقصي قوته، إذا تمكن منك سيضرب بكل مايملك .. مثله مثل الطيار اليهودي الذي يحلق في أقصي ارتفاع ليقصف أطفال غزة، ومثله مثل الذي يشعل حربا أهلية ليحتفظ بكرسي!
الجبان.. يخاف صوت الأهازيج.. فيقتلع الحنجرة.
الجبان.. يرعبه الرسام.. فيكسر أصابعه
الجبان.. لا يحب صوت الأذان، فيقصف المأذنة
الجبان.. تفزعه صلاة الخاشعين، فيعذب إمام المسجد.
يقتل بكل عنف، وبرغم ذلك هو متهالك من الداخل .. خائف، ذليل..
وفي الأمثال: يموت الجبان مرارا قبل موته.
وفقط.. في الأرض التي يحكمها.. هناك من ذهب إلى صلاة الفجر منذ عشرات السنين ولم يعد حتى اليوم!
وهو اليوم أشبه  بزجاج السيارة  الأصلي: متماسك جدا، لكنه عندما ينهار، فإنه ينهار إلى ذرات صغيرة!
وعندها سيقول اتباعه : كنا مرغمين، خائفين، فاهمين غلط .. دعونا نشارككم غنائم النصر، ولهم في "عبدالسلام جلود" أسوة قذرة!
وعندما يقصف بشار الأسود مآذن المساجد.. هو لا يريد أن يهدم المنارة، بل يريد أن يهدم كلمة : الله أكبر.
هو لا يدري أنها تسكن في القلوب لا في الأحجار..

قالت الفاينانشال تايمز عن الطفل المعجزة "ب": آن الأوان للتضييق أكثر على نظام شرس لكنه ضعيف!
 وها هم الثوار الأبطال يصرخون في وجوه شبيحته: إن كانت خزاناتكم، من رصاص فخزائننا من شهداء ، وسنرى من ستفرغ خزانته أولاً!
فوالله وتالله وبالله.. إننا نحضّر أولادنا للشهادة.. وندرسهم كل اليوم أن دم المآذن في رقابهم..
ولن يذهب هدرا..
وأن رقبة بشار يجب أن تنحر.. لنطأ بعدها بأقدامنا  على كل أتباعه..

الموتى يحاصرون الرئيس!

* الانسان الشريف لا يعتبر دماءه ملكا له . بل وديعة لوطنه يستردها عند الحاجة!
"..."
قد يكون منطقيا وموضوعيا وسهلا أن تحارب بشرا أحياء تراهم أمامك، تهزمهم أو يهزمونك.. لكن بالله عليك كيف لك أن تنتصر وأنت تحارب موتى؟
فالرئيس السوري بشار الأسد يحارب اليوم طيف والده الذي يحاصره من كل الجهات، وقد سمعتها أكثر من مرة – وأنا أمشي في شوارع دمشق.."لا تعتقد أن بشار هو الذي يحكم، إن الذي يحكم سوريا هو حافظ الأسد"، وكم هي  كلمة قاسية على نفس الشبيح الكبير لو سمعها، ولا أظن أنه سيطالب باعدام والده الميت!
 لذلك هي المرة الأولى في التاريخ التي نشاهد فيها شعبا حيا يهتف بسقوط حاكم ميت منذ سنين.. والأسد بشار، أثقلت منكبيه تركة والده، التي عليه أن يعالج كل تبعاتها، فقدره أن يواجه الأموات مواجهة تفوق تلك التي كانت في حياتهم، ولعله لم يكن يتصور- ولا في الخيال - أن رفيق الحريري سيكون أكثر حياة بعد موته مما كان عليه حيا، ولا أظن أن الحريري سيفعل- لو كان حيا - كل هذه الأهوال التي فعلها حادث اغتياله!
وليس هناك في العالم كله مدينة تاريخية قامت من مقبرتها الجماعية سوى مدينة حماة التي خرجت بأكفان 30 ألف قتلوا قبل 30 عاما!
وليس هناك مدينة في العالم كلما أطلق الجيش فيها رصاصة قام - بسبب ذلك - ميت من قبره، فالرصاص في الشام يحيي الموتى!
وقبل ست سنوات كنت أقف عند المكان الذي توفي فيه باسل الأسد قرب مطار دمشق ، حين وجدت نفسي تسألني: هل كان موت باسل في - حادث سير-  موتا طبيعيا أم أن هناك من دبر له الموت ليأخذ مكانه، ففي الشام من دون كل العالم يأخذ الانتحار شكلا سياسيا فريدا، ومنها تنتشر كلمة "انتحروه" ، حتى أن أحد المسؤولين كان على وشك أن ينتحر، لكنهم لم يجدوه في مكتبه!
ومع كل أولئك الموتى الذين يحاصرونه.. هناك موت أقسى يحاصره هو موت القلب (ونمدهم في طغيانهم يعمهون) وبينما العمى هو عمى البصر فإن العمه هو عمى القلب !
وقد قال "يحيى البرمكي" لابنه وهما في الحبس: (لعلها يابني دعوة مظلوم سرت بليل.. غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها). .. بينما كانت غادة الشام السمانية تسأل: "هل ينتهي الماضي حقا، أم انه يتابع حياته داخل رؤوسنا..؟
"الغريب أن غادة لم تتكلم حتى الآن..
لماذا لم تتكلم غادة.. هل هي حية؟
هل هي ممن يحاصرون بشار؟!

صديقي.. المدمن!

لي صديق قديم.. شاعري، أنيس، انيق المعشر، كريم اليد، ذرب اللسان.. لكن فيه عيب
شرعي.
وعيبه هذا أنه "يتقهوى"!!
أحسست بهذا العيب عندما لاحظت أنه كثيرا ما يتصل بي مساء الخميس - بعد الحادية عشرة
مساء - ويعلن لي محبته ويسرد لي تفاصيل من حياته ويصرح لي بكرهه لبعض الأشخاص.
وتأكدت من هذا العيب عندما سافرت إلى بلده يوما في نهاية أسبوع، وبعد وليمة عشاء
بحرية أعدها لي، (كان فيها قليل الأكل).. دعاني إلى قهوة في "ند الشبا".. فذهبت معه
بسيارته إلى ذلك النادي الرائق الشاعري..
هناك طلب قهوته الخاصة..  وبدأ يخربط! ويقول لي أسرار بشر يزعجني أن أعرف
خصوصياتهم..
 وقد مرّ  عليّ الوقت ثقيلا وأنا أجامله وأراه أمامي كيف يصغر ويتشوه..
ولما لاحظ - بما تبقى من وعيه - أنني قد تضايقت من الجلسة،  طلب مني أن أغادر إن
أردت.
قغادرت على الفور.. ولمت نفسي أنني أهدرت وقتا طويلا بسبب مجاملة لا داعي لها.
فأنا أحببت ذلك الصديق الصاحي، بكامل وعيه، بشعره الجميل، ولطيف قوله، وظريف
حكاياته، وليس علي أن أتحمل هذا الرجل المتقهوي الفاقد!
سبحان الله، العقل زينة.. وما أبشع من يفقد عقله بكامل ارادته..
منذ ذلك الوقت قررت أن افصل بين مشاعر الصداقة .. عن مشاعر المجاملة.
وفي المرة الثانية التي قرر فيها أن يصحبني إلى "ند الشبا" اقسمت عليه أن يترك
"قهوته" في ذلك اليوم اكراما لوجودي، وكان كريما فضحّى بأنسه من أجلي.
وكم كانت سعادتي أنني استطعت أن أثنيه عن مشروع "الفقد" الذي عزم عليه.. ولو ليوم
واحد، وكم أكبرت فيه أن لبّى لي طلبي.
بعدها أصبحت أكثر جرأة وصراحة في سؤاله عن سبب ادمانه "القهوة"
واكتشفت أنه مثل غيره كثير... يدمنونها ولا يحبونها، بل يخجلون منها..
قال لي: ادع الله لي أن يكفيني شرها، والله اني تأذيت منها وابتليت بها، وأخذ يسرد
لي قصصا غريبة تعرض لها بسبب هذا "البلاء" فكان يقع في ورطة تلو الأخرى، كان منها
أنه صدم رجلا آسيويا.. وتكفل بدفع دية اصابته أحد الشيوخ!
في هذه الأيام وهو يستعد لرمضان قرر أن يترك قهوة الخنا.. ويكتفي بقهوة الرجال.
... هل كان يمكن أن يحدث مع صديقي سيناريو آخر للعلاقة..؟
بالتأكيد..
كان يمكن أن أجامله وأشجعه أو أشاركه... وكان يمكن أن أذهب معه شيئا فشيئا إلى
عالمه وأصبح نديمه الدائم كما حدث مع آخرين عرفوه.
أو كان يمكن أن تأخذه العزة بالإثم فيتهمني بالعقد والتخلف!
أو كان يمكن أن أبتعد عنه نهائيا حرصا على نفسي ولن يكون لي أثر في حياته..
لكن الله أكرمني ألا أخسره ولا أخسر القليل من الخير في داخلي.. وأحرث الكثير من
الخير في داخله..
هذه ليست دعاية للذات، ففي النفس من العيوب ما الله به عليم، مصداقا لقول ابن
مسعود: لو علمتم من نفسي ما أعلم لحثوتم على رأسي التراب.
ولكنها قصة للعبرة.. فكم جاملنا اشخاصا، على حساب مبادئنا وقيمنا وكرامتنا
وكرامتهم..
كم مرة جلس أمامك صديق وأخذ يطعن في أعراض أو أنساب الناس وأنت تبتسم ولم تقل له:
غير الموضوع من فضلك.
كم مرة فتح لك زميل موبايله وأخذ يريك صور صديقاته وأنت تبتسم.. وخجلت أن تقول له:
اتق الله.
كم مرة دعاك صديق إلى "أمر ما" فطاوعته.. وفي داخلك شيء يقول "لا" لكنك ترددت
واخترت أن تكون مسلوب الإرادة..
لم لا نبدأ بتغيير أنفسنا..
لم لا نصبح أكثر شجاعة في قول الحق..
لم لا ننحاز إلى الخير فينا وفي الآخرين وننصره..
لم لا نبدأ بأن نستر عيوبنا ونخفيها ثم نعمل على التخلص منها نهائيا..
قال سلمان العودة"أن أهميتك ليست بحجم من يعرفونك ، بل بحجم من يتأثرون بك ويحدثون
التغيير".
غير نفسك وغير من حولك.. قوّ قناعاتك بقيمك.. ودافع عنها باخلاص..
تأكد أن الناس تحب الخير.. والنصيحة الطيبة ستقع على النفس الطيبة كما يقع المطر
على الأرض الخصبة..
والتغيير الذي تريده يبدأ من عندك ليس ممن حولك. غير نفسك و سيتغير الآخرون معك..
قال عيسى القطامي في زهيرية جميلة:
(عالجت نفسي على العادات ماطاعت
أمرار هدّدتها بالحبس ما طاعت
سايلتها بالرضا.. والله ما طاعت
النفس هذي بما عوّدتها تعتاد
واحذر تخدعك على الخسة ترى تعتاد
أوصيك تصعد بها للعز إن طاعت)
ومشوارنا طويل في الحديث عن تغيير النفس.. فهات جرحك واتبعني!
***
تنبيه: "القهوة" هي اسم من أسماء "الخمر" عند العرب، بالإضافة إلى معناها المعروف!