تفخر دول أوروبا بديانتها المسيحية وترمز إلى ذلك الاعتزاز بحرصها على أن يكون الصليب ظاهرا بشكل أو بآخر وبوضوح تام في أعلامها.. فالعلم الأميركي والعلم البريطاني والدنماركي وغيرها كثير من أعلام دول العالم الأول تبنى على الحضور القوي لرمز الصليب..
ثم يتجاوز الاعتزاز بالرمز إلى الاعتزاز بالوجود الفعلي لسطوة الدين من خلال الفاتيكان وبابا الفاتيكان الذي يمثل حضوره مهابة كبيرة في دول العالم المسيحي، لايجرؤ أحد أن يمس شعرة من
هذا المقام السامي!
أيضا تعتز إسرائيل بدينها اعتزازا أكبر من ذلك.. من خلال اسم الدولة «إسرائيل» وهو النبي يعقوب عليه السلام، مما يعطي الدولة رسوخا في الوجود الوجداني المعتقدي لدى أهلها، تعزز ذلك بحضور نجمة داود المزعومة وما تمثله من أبعاد ديني في علمها، ثم ترسخ هذا الاتجاه الديني بقضيتها الأساسية التي تنطلق من وإلى بحثها عن هيكل النبي سليمان عليه السلام الذي تدعي أنه موجود تحت أرض المسجد الأقصى.. ولذلك فإن وجودها أصلا منطلق من كونها دولة دينية تمجد حائط المبكى، وتعطي الحاخامات قداسة وحضورا في كل المشاهد السياسية والثقافية والاجتماعية.
ثم تبرز إيران في حضورها الديني اللافت.. فهي الدولة الوحيدة اليوم في العالم الإسلامي التي تسمي نفسها جمهورية «إسلامية» وتجاهر بحضورها الديني ومعتقدها المذهبي، وتدعي أن منطلقاتها هي منطلقات المعتقد الشيعي البحت الذي يقع فيه المرشد الأعلى موقعا روحيا، وتروج لفكرة أن المهدي المنتظر موجه رئيس لها.. فهي تقوم على سياسة يمليها عليها حجة الزمان المهدي المنتظر المختبيء في كهفه السري، ويعطي سياسيوها خطبة الجمعة بعدا وحضورا كبيرين..
وفي ظل هذا الحضور الديني الكبير لدى دول الواجهة في عالم القوى الكبرى، تحاول الدول العربية أن يتوارى دينها عن المشهد السياسي فتخجل أن تظهر بدينها أمام العالم، ويهاجم العلمانيون الجدد دين أمهاتهم وآبائهم الذي ترعرعوا في حضنه، ويقسم القياديون أن دولهم هي دول مدنية لا دينية.. تخجل من اللحية، وتخجل من الفتوى، وتخجل من تسمية الأسماء بمسمياتها، وتخجل من إيراد آية قرآنية أو حديث في محفل دولي عام.. ويغيب قياديوها عن أي حضور في منابر الجمعة أو صلاة في المسجد «سوى صلاة العيد.. وفي إصرارهم على حضور هذا الصلاة بالذات استفهام كبير!»
ذلك أن حضوربعض القادة هو حضور دنيوي بحت.. فهم يقودون دولا علمانية أكثر إخلاصا للعلمنة من النموذج التركي القديم.. وإن لم يكن ذلك ظاهرا... مع استثناء وحيد!
سؤال يطرح نفسه: من هو آخر قائد عربي ألقى بنفسه خطبة الجمعة؟
(ومن يهن الله فما له من مكرم)!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق