الخميس، 26 يناير 2012

حطب دمشق الجاف!

علي المسعودي
@llmasoudi


رحمك الله، كم كنت طريفا... وعميقا... وجزلا ... وتلقائيا...
تدخل من موضوع إلى آخر باسترسال عجيب تبتعد فيه كثيرا حتى تنسى أحيانا من أين بدأت!!
مازالت لهجتك ولغتك مغروسة في ذاكرة من تابعوك في الثمانينات.
أقول ذلك وقد تمتعت خلال الأيام الماضية بالغوص في الجزء الأول من ذكريات الشيخ علي الطنطاوي الصادر عن دار المنارة للنشر في جدة
عام 1985 م
وهذه مقتطفات من ذكرياته كنت أدونها في مذكرة خارجية أثناء قراءتي:
- من طريف أخبار ذوي الغفلة من الوعاظ أن أحد مشايخنا جاءه من يقول له إن (منيرة المهدية) تغني وترقص في العباسية فأعلن غضبه في درسه الأموي وقال : كيف ترقص هذه المرأة أمام الرجال وهي كاشفة جسدها مبدية مفاتنها؟ أين الدين وأين النخوة؟
- قالوا: نعوذ بالله... وكيف يكون هذا، وأين ياسيدي ومتى؟
- قال: في العباسية في الليل بعد صلاة العشاء...
وكان نصف المقاعد خاليا.. فامتلأت تلك الليلة المقاعد كلها!
فلينتبه الواعظون فكثيرا ماتكون المبالغة في وصف المنكر دعاية له
- إن الاسلام صب البطولة صبا في أعصاب المسلمين وأجراها في دمائهم فمهما حاقت بهم الشدائد وتوالت المحن فلن تتبدل طبيعة البطولة فيهم والعاقبة لهم إن كانوا مع الله .
- (في الحرب العالمية الأولى) كنت أرى الجياع ينبشون أكوام القمامة علهم يجدون ما يؤكل، وماجاعت دمشق في عمرها الطويل قط الا تلك الأيام. ص 45
- مدرستنا (الأهلية) كان تدريسها سيء الأسلوب معوج الطريقة ولا أذكر لمدرس من مدرسيها أثرا في نفسي فكأني كنت أنتقل من سنة إلى سنة وأرتقي من فصل إلى فصل وأنا نائم.
- كنا نهتف في المدرسة كل صباح بالتركية (باديشام جوق يشا) أي (يعيش سلطاننا طويلا).
- اذا انتهى العصر الأموي بقتل مروان وولاية السفاح فهل القصيدة التي نظمت قبل مقتله بيوم لها مزايا وخصائص الشعر الأموي والتي نظمت بعده بيوم لها خصائص ومزايا الشعر العباسي؟
- أين دنيانا تلك ياناس؟
- لا أريد إلا دعوة صالحة من مسلم صالح تبقى سرا بينه وبين الله .
- إن (سايكس وبيكو) وزعونا غنائم حرب كما توزع المواشي التي أخذها الجيش الغالب من الجيش المغلوب.
- تجوز الصحراء فلا ترى إلا أرضا جرداء لا ظل ولا ماء ولا نبتة خضراء ، فإذا نزل المطر اهتزت وربت وكسيت ثوبا اخضر من العشب والزهر وصارت مرعى للسوائم ومتعة للنظر فمن أين ترونه قد جاء هذا النبات!
من بذور صغار قد لا تأخذها من دقتها الأبصار قد ركب الله لبعضها ما يشبه الأجنحة القصار تحملها الرياح فتلقيها بين حبات الرمال فلا ترى إلا تلالا من الرمل تتلظى تحت وهج الشمس.. فاذا انزل الله الامطار وجمع الله لها الظروف التي جعلها سبب الانبات كان منها هذا النبات!!
- كانت دمشق كالحطب الجاف ينتظر أن تلامسه النار ليشتعل.. ومن شأن الحطب الجزل أن يبطئ دخول النار فيه ويبطئ خروجها منه
- إنه ما مر بنا عهد على كثرة ما مر من عهود إلا بكينا فيه منه... وبكينا بعده عليه!
... أفقدر علينا أن نستكبر الشر فنأباه، ثم نرى ماهو أشر منه
فنطلبه فيأبانا؟

..مع الشيخ كشك

علي المسعودي
@allmasoudi



رجل بسيط.. لكنه صعب المراس.
مسكين.. لكنه صلب.
فقير.. بكنوز لاتحصى.
محروم البصر.. متنعم بالبصيرة.
أحب قفشاته وخطبه الجريئة.
هو الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله.
بدأت قراءة مذكراته (قصة أيامي) وكنت في سفر.. فكانت كلماته أنيسا لي في أيام لا تنسى.
ومنه هذه المقاطع:
- ونسي قارون أو تناسى أن الدنيا إذا (حلت.. أوحلت)، وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت، وكم من قبور تبنى وما تبنا، وكم من مريض عدنا وماعدنا، وكم من ملك رفعت له علامات فلما علا.. مات!
- ودخلت على المحقق ووجه أسئلته، ومن الأسئلة التي مازلت أذكرها، هذا السؤال الخالد: لماذا تهاجم نيللي وكأن نيللي هذه أصبحت ذاتاً لاتمس.. السيدة المصونة والجوهرة المكنونة!
قلت إنما أطالب بتأخير فوازيرها حتى نصلي القيام، فقد صارت كالهلال للصوم، نصوم لفوازيرها ونفطر لفوازيرها!
- والله لو أكرمنا كتاب الله ما أهاننا أحد.
- والناس لو تحولوا إلى كناسين ليثيروا التراب على السماء فلسوف يثيرونه على أنفسهم، وستبقى السماء هي السماء ضاحكة السماء بسامة المحيا.
- أذل الحرص أعناق الرجال.
- لقد أراد الله خيرا عندما أنساني أن أفتح ذلك الخطاب، وشغلني بأمر المسلمين فقد عقد الاجتماع بين بعض الدعاة وأنور السادات ليلة القدر عام 1399 من الهجرة 1979 ميلادية، وقد حدث صدام بين السادات والأستاذ عمر التلمساني، قال فيه الأستاذ عمر للسادات: «لو كان بيني وبين أحد الناس خصومة لرفعتها إليك، أما والخصومة بيني وبينك فإنني أشكوك إلى الله»، فقال له السادات: اسحب شكواك ياعمر - فقال له: لا أسحبها لأنني أشكوك إلى عادل لايظلم عنده أحد.
- كان الإمام ابن الجوزي يقول: إني لأظل طول الليل أتقلب في فراشي أبحث عن كلمة أرضي بها السلطان ولا أغضب الله.. فلا أجد!
قيل لحكيم: أيهما أفضل لديك أخوك أم صديقك؟ قال: أخي إذا كان صديقي.
- أقرب الساعات إلى الفجر أشد ساعات الليل ظلمة.
- قيل لأبي بكر رضي الله عنه: ياأبا بكر بم عرفت ربك؟ فقال رضوان الله عليه: عرفت ربي بربي ولولا ربي ماعرفت ربي، قالوا: فكيف عرفته قال: العجز عن الإدراك إدراك، والبحث في ذات الله إشراك.
- قيل لعلي كرم الله وجهه: متى كان الله؟ فقال: ومتى لم يكن؟
- مات الزعيم جمال عبدالناصر يوم الاثنين (28 سبتمبر 1970) وطفح النفاق كما تطفح الأرض بماء المجاري، وأرسلوا في المدائن حاشرين، وجمعوا الناس لميقات يوم معلوم لتشييع الجنازة يوم الخميس، وفي هذا مخالفة لشرع الله، فإكرام الميت في الإسلام دفنه.
ومرت هذه الأيام ثقيلة متباطئة وجاءت ساعة الدفن وأنا أجلس بجانب المذياع أترقب مصير هذا الذي كاد يقول أنا ربكم الأعلى، وأوشك أن يصيح بأعلى صوته: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟ وجيء به على شفير القبر وكأن القبر يناديه بلسان حاله: أجمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك؟ أتركت الدنيا أم الدنيا تركتك؟ أعجلت المنية أم المنية عاجلتك؟ خرجت من التراب بغير ذنب، وعدت إلى التراب بكل ذنب.
قال عمر بن عبدالعزيز ذات يوم للحسن البصري: «عظنا ياتقي الدين وأوجز» قال: «صم عن الدنيا وأفطر على الموت، وأعد الزاد لليلة صبحها يوم القيامة».

وللناس فيما يأكلون مذاهب

علي المسعودي


نطلب وجبة طعام..
وعندما ننتهي منها يفرح فقير ما ببقايانا فيتلذذ بما يجد من لحم في العظم، ثم يترك بقاياه التي تتجمع حولها القطط..
حتى إذا انتهت تجمعت حول بقايا البقايا دابة الأرض التي ستأكل البشر (يوما ما)!
أشياء كثيرة نأكلها، وأشياء أكثر تأكلنا.. يأكلنا ونحن على قيد الحياة: الزمن.. يلتهمنا رويدا رويدا.. حتى إذا ما (هرمنا.. هرمنا) عرفنا أنه أكل أحلامنا.. وبعض أحبابنا! والثورة تأكل أبناءها.. والزمن كذلك. هناك من أكله الدهر وهناك من أكل عليه الدهر وشرب، وهو في حاله لم يتغير.
البعض يأكل وفق نظرية (قوت لاتموت) وهناك من يبلع حتى التخمة. من الناس من يأكل وجبة خفيفة، ومنهم من يفضل الوجبة الدسمة.. ومن الناس من يلتهم (حقوق الناس)، وينسى أن الدود سيأكله بعد حين. للأكل لذة لا تقاوم خاصة إذا جاء في وقته المناسب.. وبقدره المناسب.. لأن (البطنة تذهب الفطنة).. وقال رسولنا الكريم: «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه». وكثيرون يتنافسون في إجادة الطبخ والتفنن فيه، ودائما ينتهون إلى أن: (الجوع أحسن طباخ).
هناك من يبالغ في الأكل، ويفرط.. فيأكل خيرات البلد. وكل إنسان يأكل من خبز يديه إلا العالة.. ممن يلبس ما لا ينسج، ويحصد ما لم يزرع..
وقالوا للرفله (خبزٍ خبزتيه ياالرفله إكليه).. وفي البلاد المتخلفة يقولون (ابن الخباز يشبع خبز).
وفي المطبخ الصحافي تطبخ... التحقيقات، والكتابات الشفافة، والتعابير الصادقة، ومسح الجوخ.. وكل يخرج بطبخته ويستمتع بنتائجها.
في المطبخ الصحافي تفوح رائحة البشر، بعض الأدباء يأكل من عرق جبينه، وبعضهم يقتات من ماء وجهه.
بعض المسؤولين يأكلون حقوق الشعوب.. وبعض الحكام يبلعون البلاد بعظامها. يقرمشونها ويمزمزونها.. ثم يظهرون من شرفة في ساحة عامة ليصفق لهم المأجورون والموتورون والمطبلون والفقراء المغفلون.. بعض البشر يأكل أعراض الناس.. ويمضغ لحوم الأقارب، وعمي عن قول رب العزة: (كلوا من طيبات ما رزقناكم). آخرون يأكلون من ماء كرامتهم.. لأنهم غسلوا وجوههم بـ (مرق)!!
من النساء من تأكل بعرق جبينها.. ومنهن من تعيش بتلطيخ شرف أهلها.. وتقبض الثمن: تذكرة سفر أو دنانير معدودة.. أو كرت تعبئة!! ورحم الله هند بنت عتبة.. التي سألت نبيّها باستنكار: (وهل تزني الحرة؟).. وتلك الأبية التي قالت: (تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها). ..وقد استغرب رسولنا الكريم من رجل يرفع يديه (يارب يارب) وملبسه حرام ومطعمه حرام.. فأنّى يستجاب له!!
إنها الأخلاق.. تحدد لك مأكلك.. فإن طاب طبت.. وإن خاب خبت!

حرب السجائر

علي المسعودي
@allmasoudi


مركبك نفسك.. إذا ركبتَ نفسك نجوت، وإذا ركبتك نفسك هلكت!
(مصطفى محمود)

8 آلاف دينار كويتي صرفتها على التدخين!
كان يمكن أن يكون هذا المبلغ ثمن سيارة «تعلن وكالتها باستغباء» أن قيمتها 6 آلاف و999 دينارا!
8 آلاف دفعتها على مدى 20 عاما خدمة في عالم المارلبورو الأبيض!
8 آلاف دينار كان يمكن أن أشتري فيها مئة ذبيحة أبيّض فيها وجهاً أنهكه أول أكسيد الكربون!
8 آلاف دينار.. كان يمكن أن أكفل فيها يتيما لأقف موقفا كريما.. يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه.
لكني دفعتها لشركات التبغ.. فذهبت إلى بطن وكيل السجائر.. الذي بدوره سيصرفها على الثقافة (الله يسلمه).
وكل الأرباع والأنصاص التي يصرفها الأطفال عند البقالات ستذهب إلى جيبه.. ليقيم فيها دورة شعرية جديدة للنهوض بالأمة.
أذكر أني قرأت لقاء في مجلة الرجل كان عنوانه (وكيل السجائر في الشرق الأوسط.. لا يدخن!).
وأنا اليوم أطالبه.. أن يعيد لي الـ 8 آلاف التي أخذها مني.. أما صحتي، والدشاديش الجديدة التي لم أهنأ بها بسبب شرارة من سيجارة، ووقوفي المفاجئ في عرض الطريق بحثا عن عقب مشتعل انحشر تحت «الكشن» (فعليه العوض ومنّه العوض).
أرأيت لو أن ولدك طلب منك نصف دينار ليشتري من البقالة، وكنت تظن أنه مثل كل الأطفال سيشتري «عصير وبطاط».. لكنه اشترى علبة سجائر؟
- تغضب و(تمحّطه)!
فما بالك وقد رزقنا الله الأنصاف والدنانير والعشرات والمئات وأمرنا (كلوا من طيبات ما رزقناكم)، فصرفناها على هذا الخبيث.. ألا نستحق (التمحيط) الرباني؟
نصحني بعضهم بعلك خاص لترك التدخين يحتوي على النيكوتين، لكن السيجارة أرحم بكثير، تركت النصائح الأرضية.. وتطلعت إلى النصيحة السماوية، خرجت من فندق التوحيد ودخلت من باب الملك فهد.. وتقدمت حتى تبين أمامي البيت العتيق، جلست عند أقرب برّادة ماء زمزم.. وشربت حتى تضلعت، ورفعت يديّ: اللهم إني أحب أن أذكرك بفم طاهر.. فطهرني من خبث التدخين، (وماء زمزم لما شرب له).
مرت فترة بسيطة.. وفي ليلة عدت وقد أجهدتني السيجارة، فقررت الإقلاع عنها إلى الأبد، حدث ذلك منذ 3 سنوات أو أكثر، واليوم أنا أصعد السلم ركضاً، وأعود منه 3 مرات دون أن أفحّ!
وأدخل المسجد بثياب تعط بدهن العود غير المختلط بدخان..

مشروع جريمة

علي المسعودي




الجمال.. يتشهى المال، والمال يستدرج الجمال..
لعبة قديمة يلعبها طرفان يتفقان اتفاقا مبطنا أن العلاقة أولا وأخيرا هي علاقة (خذ وهات)، ولكنها عندما تنكشف تتحول إلى جريمة أو مشروع جريمة.
ولنبدأ الحكاية من البداية: لقد ملت الفتاة الصغيرة من حالة الفقر التي تعيشها على أطراف الحياة، تطالع جمالها وتتحسر.. وتشاهد في التلفزيون عشرات الفتيات ممن هن أقل منها جمالا يحظين -بسبب الشهرة- بالمال والمعجبين والأضواء، وتقرر أن تظهر.. تظهر المفاتن بالتدريج.. سيأتي حتما المال قريبا.
مع كل فتنة تظهر تقترب من الهدف أكثر، والأجنحة مهددة باللهب، تمر بأكثر من تجربة فاشلة.. شخص يدعي أنه سيوصلها الشهرة التي تحلم بها فتكتشف أنه يستغلها ويستفيد منها ولايفيدها، شخص ينتحل اسم عائلة معروفة لينعم بها فتهجره، لكنها تعرف أنها أصبحت أقرب إلى ذي المال، إنها تشعر به حولها.. تسمع حفيف أمواله، تشعر بلهفته، تسمع شخيره.. وتحس بجوعه، تكشف أكثر.. في سبيل أن ينتبه إليها.. إنها لا تشترط فيه شروطا فليكن كبير السن.. بشعا لايهم.. فهي لا تبحث عنه، بل تبحث عن ماله، وهاهو يقترب منها، يستدرجها.. يرمي الخيط الأول فينجح (هي توحي أنها تتصرف بسذاجة وهو يمثل أنه
يتصرف بعطف).
يحلم بجسدها.. وتحلم بماله، هو يريد متعة متى ماطلبها وجدها.. ومتى ماذهب عنها انتظرته، ويريد مع الجمال شهرة.. يريد أن يحتضن الشهرة ويفرح بها كما يفرح بالمفاتن.. وهو يعرف تماما أنها لاتريده بل تريد ماله، ولأنه يعي ذلك يمد لها إغراءات ماله.. وهو موافق على طمعها بشرط أن يحصل عليها له.
تقترب الفراشة من الضوء، ويقترب الصقر من الفخ، تقام وليمة اقتران المال بالجسد.. في غياب الأشخاص والأرواح: روح صاحب المال وروح صاحبة الجسد.
وتبدأ حكاية أخرى بعد شهر العسل: يكتشف صاحب المال أن الجميلة المشهورة تزوجته من أجل ماله لاغير، وأنه لاينعم بمشاعرها، وتكتشف صاحبة الجمال أن صاحب المال تزوجها طمعا بجسدها وشهرتها لاغير.. فلا يحتويها بمشاعره.
وعندها.. يبدأ كل منهما في التخطيط لجريمته..

المتكبرون..





علي المسعودي


( الكبر ردائي.. فمن نازعني فيه نزعته )
«حديث قدسي»



قيل ليوسف عليه السلام: مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائعين.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أجمل تواضع الأغنياء للفقراء طمعا بما عند الله! والأجمل منه تيه الفقراء على الأغنياء، ثقة بما عند الله.
وفي يوم صاح المأمون مناديا أحد خدمه وكان جالسا إلى جانبه أحد وزرائه، فدخل الخادم يمضغ لقمة في فمه ويقول: كلما تركناك صحت يا غلام يا غلام .. أما يحق للغلام أن يأكل أو يرتاح؟
فقال الوزير: ما شككت أن المأمون سيأمر بقطع رأسه، فلما خرج الخادم قال المأمون: إذا حسنت أخلاقنا، ساءت أخلاقهم، وإذا ساءت أخلاقنا حسنت أخلاقهم، وإنا والله لا نرضى أن تحسن أخلاقهم بفساد أخلاقنا!
وكان عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، راعي غنم نحيف أحمش الساقين، رآه الصحابة يوما يتسلق نخلة فضحكوا، فشاهدهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يضحكون فسألهم عم ذلك، فقالوا إنهم يضحكون من دقة ساقيه، فقال عليه السلام: إنهما أثقل عند الله من جبل أحد.
وفي معركة بدر، وضع عبدالله بن مسعود رجله على عنق أبي جهل بعد أن سقط أرضا، فقال أبوجهل‏:‏ لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم.. إنها كلمة المتكبرين المتجبرين المحتقرين للآخرين حتى وهم يداسون بالأقدام.. يحتقرون الأصول ويشككون بالنوايا ويشمئزون من الضعفاء: من أنتم يا مندسون؟
ورحم الله مرشد البذال إذ قال:
وقر العالم وتلقى لك وقار
وإن حقرت أحقرت لو أنك أمير
حقة الطيب تجيك من الفقار
والردي يعطيك كرسوع البعير

40 %.. 60 %

علي المسعودي




(المبدع في العالم العربي.. مسكين)!


مسكين، لأنه مبدع، لذلك فهو محارب، 

ولأنه مُحارَب.. فهو منبوذ. وهو منبوذ.. لأنه ناجح. والناجح يزرع المنافسة في النفوس. لكن المنافسة - في التقليد العربي الحديث- تتحول إلى غيرة، ثم تتحول الغيرة إلى حسد، ثم إلى بغضاء.. فعداء متواصل.. حتى تبدأ الحرب الضروس ضده من كل مكان.

كنت مرة أجلس مع زميل مبدع تم إقصاؤه ليكون في قسم يرأسه فيه رجل فاشل وحقود.. 

قل لي ذلك الزميل: ما يهوّن الأمر أن رئيسي في العمل ساذج وفاشل.. لن تطول به المدة.

قلت له: والله أنا ما مرمطني في حياتي ومسحني في البلاط إلا الفاشلين السذج مثله.. هم يجيدون لعبة الكر والفر والدسائس.. ونحن نجيد العمل..

لذلك تكون الغلبة لهم!


يتحلق حول المبدع الجاد أنصاف الموهوبين، والموتورون.. وعديمو الجدوى، ليزرعوا في طريقه الشوك. لذلك، ينسى إبداعه وينشغل بسد الثغرات، ونفي الشائعات وتبرير التصرفات. فبينما كان ينشغل بعمله، يتفرغون هم لعرقلته.

هو منهمك في انجازاته.. وهم منهمكون به ثغرة من هنا يزرعها حاسد.. وثغرة من هناك يبذرها كاره. حتى لو انتقل إلى عمل آخر، سيصادف النفوس ذاتها بأشكال أخرى أينما ذهب.
لذلك، هو يخصص 40 بالمئة من جهده للإنتاج والإبداع.. أما الـ 60 بالمئة الأخرى، فمخصصة لصد الهجمات وإغلاق جحور الثعابين، والدفاع وصد الضربات تحت الحزام. فلو أن المبدع عمل بنسبة 100 بالمئة لإبداعه.. ستكون النتيجة مبهرة حتما. المشكلة الحقيقية هي عندما تواجه بنسبة 60 بالمئة من عملك أناسا يعملون بنسبة 100 بالمئة لتدمير إبداعك، لأنهم لا يملكون عملا آخر يعملونه.. إلا إذا سنحت لهم الفرصة ليسرقوا بعض أفكارك. وأذكر زميلا (...) كلما سمع فكرة من زميل له، انسل من المجموعة بهدوء وذهب سرا عند المسؤول (...) يبلغه بفكرة جديدة طرأت على باله! هذه الحالة تشبه تماما حالة الدول العربية مع أميركا..
فكل رئيس يركض إلى واشنطن ليبلغهم بفكرة جديدة طرأت على باله.. تنقض فكرة لزميله الرئيس! المشكلة إذن في قمة الهرم.. وليست القاع. ولله في خلقه شؤون!!

سنة الطفحة!





علي المسعودي


"الأجسام الظاهرة في المرآة تبدو أصغر وأبعد مما هي في الواقع".. عبارة مكتوبة في مرآة السيارة الجانبية.
.. وهكذا هم من حولك، فطالع الأحجام ولا تطالع الأجسام!
البشر أحجام متنوعة.. منهم الصغير، ومنهم الوضيع.. منهم الدنيء والواطي.. و"الطفس".
هناك المتعالي والمتجبر والمتكبر والجاحد والحسود والخبيث..
ومن البشر.. البشوش، السمح، العفيف، النظيف، الشريف والمحب للناس.
ستعامل الجميع، وتصادف الكل، وتتعاطى مع جميع الأنواع.. تجمعك بهم قرابة أو صداقة أو مصلحة أو عمل.
لا تصدق الأحجام الظاهرة في المرآة.. فهناك من يخدعك بمظهره، وهناك من يخدعك بلسانه، وهناك من يخدعك بهدية أو نميمة ينقلها لك.. أو حتى حساب مطعم يدفعه عنك، هناك من يقول لك أعذب الكلام ويقسم على صدق نيته، لكن يجب أن تختبر قلبك من جديد وتطالع المرآة من جديد لتعرف الحجم الحقيقي للجسم الظاهر في المرآة، فالله تعالى أعلم بنفوس البشر، وقد قال عن صنف منهم: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام".
كره الناس مظلمة، واعتزالهم مصيبة، لكن الثقة التامة غباء، والحذر مطلوب، خصوصا مع ذلك النوع الضعيف الذي تدربه على حمل السلاح وتسدي إليه النصائح لكي يفوز وينتصر ويقوى ساعده حتى إذا أعطيته سلاحا لكي يطعن به.. غرزه في خاصرتك.
هل تقول إن الذي رفع شعار القوي الأمين.. غوي قبيض؟!
وقد عرفت أن صوتك أمانة، فبعته لمرشح.. يريد أن يعوض الرشاوى التي دفعها برشاوى يتسلمها.. فلماذا أنت غاضب ومصدوم والسجون مليئة بمن سرقوا هاتفا أو وجبة من مطعم أو صندوق طماطم، أو مئة دينار؟ لكن السجون ذاتها خالية ممن سرقوا الوطن!
ولله في خلقه شؤون!

حظ «....»!




علي المسعودي


قليلة هي الأمنيات التي تتحقق من تلقاء نفسها.
«جون سميث»

لا أظن أن قارئي الكريم سيتعب نفسه في التفكير كي يكمل الحروف الملائمة في كلمة العنوان بين القوسين أعلاه، لأنه مثل دارج معروف ومتداول لاكته الألسن فأصبح شائعا مشاهدا وواقعا ملموسا ليس من التبذل أو الابتذال إيراده في مقال، وقد أيقظ هذا المثل الذاكرة الشعبية التي لاحظت أن الفتاة الرصينة العفيفة «المخفرة» تنتظر طويلا وينتظر معها أهلها بحسرة طارقا يطرق بابهم ليكون زوجا كريما لفتاة محصنة مصانة.. ويطول الانتظار.
في الوقت ذاته يكون حظ تلك الـ «....» في الزواج سريعا ومميزا، فما أن تشب عن الطوق وتظهر أمام الناس- وهي تجيد إظهار نفسها - حتى تجد عددا من الخطاب يتسابقون إليها، تختار أغناهم وأوسمهم وأرفعهم منصبا.. فيأخذها في شهر عسل إلى أجمل بقاع الأرض، لكنه ما إن يعود حتى يكتشف أنها فتاة لعوب لاتصلح زوجة، فيطلقها بعد أن يسدد فاتورة طلبات والديها ودعاواهم القضائية من ميزانية الدولة، وما أن تنتهي عدتها حتى يطلبها للزواج مسؤول آخر من المسؤولين ويدفع لها المهر كاش من احتياطي الأجيال العاطلة.
وقد رأى حكيم امرأة خرجت متزينة يوم عيد فقال: «هذه خرجت لتُرى لا لتَرى !».. وهذا مالا تجيده بنت الناس «الأجاويد».. فبعد طول انتظار يطرق باب العفيفة شاب مسكين «أجلح أملح».. فتزف إليه، ويزف والداها إلى السماء أكفهم بدعوات أن يوفق الله ابنتهما ويسترها ويرزقها الذرية الصالحة.
هكذا هي الحياة التي قلت فيها حظوظ ذوي الأيدي الشريفة والعقول النظيفة من مفكرين ودعاة ومحللين ومثقفين فتواروا عن الأنظار لأن أصواتهم صارت نشازا ووجودهم أصبح خطأ، بينما علت أصوات الانتهازيين وطغى حضورهم وتصدروا المجالس والإعلام والموائد وصناديق الاقتراع.. فكثرت موائد اللئام وكثر حولها المريدون الذين يملؤون بطونهم بما لذ
وطاب من الحرام!
حتى قال أحدهم: الحياة كلها أصبحت الـ «....» فاهربوا منها !!
وقال أفلاطون: الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار.
ولله في خلقه شؤون!


افهم قبل أن تغضب





علي المسعودي


لو قدر لغاضب أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه لكره تغير لونه، ورعدته، وارتجاف أطرافه،
وتحول خلقته، وانقلاب سحنته، واحمرار وجهه، وجحوظ عينيه، وخروج حركاته عن الترتيب، وأنه يتصرف مثل المجانين لأنف من نفسه، واشمأز من هيئته، ومعلوم أن قبح الباطن أعظم من قبح الظاهر، فما أبشع شخص هذه حاله.
ولقد رأينا الغضب يذهب بأصحابه إلى حد الجنون عندما يقتحم نفوسهم.
وأقسى الغضب ما لقيه الأولاد من الوالد.. وأقسى ما يمكن مشاهدته أن يضرب الوالد ولده في مكان عام.
والغريب أن بعض الآباء يدعو أبناءه لفسحة في نهاية الأسبوع، فيتباشر الأبناء بالخبر ويتجهزون.. وما إن تتم الرحلة حتى يتعكر صفو الأب، فيبدأ بالأوامر والنواهي، ناسيا أن لعب الأطفال طبيعة فطرية: لا تصعد، لا تصرخ، فضحتنا، لا تذهب.. فتتحول الفسحة إلى نكد وغم.
هذه قصة انتشرت عبر المواقع الإلكترونية.. فيها عبرة وفائدة.
بينما كان الأب يقوم بتركيب مصدات معدنية لسيارته الجديدة باهظة الثمن، وإذ بابنه الصغير يلتقط حجرا حادا ويقوم بعمل خدوش على جانب السيارة باستمتاع بالغ.
وما إن انتبه الأب لابنه حتى طار لبه وغضب غضبا شديدا، وهو في قمة غضبه فقد شعوره وهرع إلى الطفل آخذا بيده ضاربا عليها مرات كثيرة وعديدة.
ولكنه لم يشعر أن يده التي ضرب بها ولده كانت تمسك بمفتاح الربط الثقيل الذي كان يستخدمه في تركيب المصدات، ما جرح طفله جرحا غائرا واضطر إلى أخذه للمستشفى.
وفي المستشفى حاول الأطباء ما استطاعوه من أجل علاج الولد، لكنهم في النهاية اضطروا إلى بتر أصابع من يده، وبعد أن انتبه الابن ورأى ما آلت إليه يده سأل أباه بخوف واسترحام: «يا أبي قل لهم يرجعوا إلي أصابعي وأعدك ألا أفعلها ثانية»!
تألم الأب غاية الألم وعاد إلى السيارة وأخذ يركلها عدة مرات في غضب هستيري، ومن شدة الإرهاق جلس على الأرض منهكا، ولما نظر إلى الخدوش التي أحدثها الابن في السيارة الجديدة وجده قد كتب: «أحبك يا أبي».
كانت هذه العبارة أهم وأجمل من السيارة الجديدة، وأهم من أن تشوه لونها البراق الجديد.
انفجرت دموع الأب، ثم أخذ حجرا وكتب على جانب السيارة: «وأنا أحبك أكثر يا بني».

.. والحاسد في الأرض!









علي المسعودي
@allmasoudi






لمشاكلك حلول أبسط بكثير مما تتصور..
 وأقرب بكثير مما تظن. 
والإدارة الجيدة هي حسن المعاملة والتخطيط الهادئ...والمحبة. 
هناك حل دائما.. وهو حولك عادة.
يحكى أن أحد الحكام أتى إلى مسجون ليلة إعدامه فقال له: غدا إعدامك، وسأعطيك فرصة أخيرة للنجاة، لقد تركت لك في السجن مكانا تستطيع الهرب منه، إذا عثرت عليه فاهرب، وإلا فالحكم سيتم.



فرح المسجون.. وظل يبحث طوال الليل عن المكان السري الذي تركه له الحاكم..
وجد في زاوية غرفة السجن فتحة صغيرة جدا نفذ منها بصعوبة فأوصلته إلى دهليز طويل جدا، ولكنه في نهايته كان مغلقا بجدار عال ومسقوف.
 من أين يخرج؟
ظل طوال الليل يبحث ويفتش في السقف، في الأرضية، على الجدران، وراحت جهوده هباء منثورا.. حتى أشرقت الشمس.. فحضر الحاكم، ووقف أمام الباب الحديدي للزنزانة وقال له: أما زلت هنا؟ لم تعثر على المنفذ إذن!
قال المسجون: لم أعثر عليه، لأنه غير موجود، لم أترك مكاناً إلا وفتشته!
قال الحاكم: ألا تعرف أنني تركت لك باب السجن بقفل وهمي يمكنك أن تفتحه بسهولة!
 ركض المسجون باتجاه الباب.. مسك القفل فانفرط من بين يديه! فكأنه أعدم قبل إعدامه الحقيقي!
لقد كان الباب مفتوحا.. لكن المسجون ابتعد كثيرا في البحث.
لاتبتعد كثيرا.. فقط خذ عدة خطوات إلى الخلف .. كي ترى اللوحة بوضوح.
 الحل دائما قريب منك، حولك، في متناول يدك فلا تنظر إلى أيدي الآخرين.
 كذلك الرزق.. انظر إلى ما في يدك منه ولا تطالع ما في أيدي الآخرين.. لماذا تنشغل عن الاستمتاع بلقمتك بمراقبة اللقمة التي يأكلها من حولك؟..
فما الحسد.. إلا استدعاء ضمني للفقر.. والعوز..
..
(ويا للحاكم الخبيث.. لم يكتف بأن يعدم المسجون، وهو مجرم، بل أراد ألا ينام الليل، ويموت مرهقا.. وغبيا..!)

متلونون!




علي المسعودي


(لو مشيت بسيارتك في عاصفة شديدة فمررت بثلاثة انقطعت بهم السبل، عجوز توشك على الموت، وصديق له فضل عليك تنتظر رده له، وفتاة تحلم طوال عمرك أن ترتبط بها)، فمن تحمل من هؤلاء في سيارتك التي لا تستطيع أن تحمل فيها إلا راكبا واحدا فقط؟
قلة يجيدون إجابة هذا السؤال، وهم أولئك الذين يملكون حسن التصرف واقتناص الفرص..
هذا السؤال يتم تقديمه للمقبلين على وظائف إدارية تقاس فيها قدرتهم على التعامل مع الأزمات.
وأقوى الأزمات هو التعامل مع بشر متلونين مرهقين للأعصاب.. وهم أنواع.. أوقحهم الذي ينقل سيئاتك (متجنيا) متجنبا حسناتك حتى تنفصل عرى قوتك.. وقد لا تسمح لك أخلاقك أن تحاربه بطريقته..
رسولنا الكريم يشجع على التعامل مع البشر والصبر على أذاهم، ويفضله على العزلة.. على ألا تترك نفسك تضيع بين همهمات الناس وإغراء الأضواء (فالعزلة نعمة أحيانا).
وأصعب من تتعامل معهم أولئك الذين يحسنون الحديث ويقسمون على محبتهم لك، ويسوقون الأدلة على ذلك حتى تقول: ما أطيبهم! ولكن الحقيقة عليك أن تحذر هذا النوع حذرا مضاعفا لأن الله سبحانه حذرك بقوله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه.. وهو ألد الخصام).. ولا تتضايق من مكر البشر فالله يبشرك: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).
ومن رفعة المرء أن يعامل الناس معاملة حسنة، لكن الثقة المفرطة في الناس جهل.. وسوء الظن من قلة المروءة.. وصدق المتنبي:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم
احتواء القلوب هو فن الإدارة، خاصة لأولئك الذين
لا يجيدون تقديم أنفسهم بصورة جيدة.
أما حل السؤال فهو أن تعطي صديقك مفتاح السيارة ليوصل العجوز إلى أقرب مستشفى، وتبقى أنت مع الفتاة تستمتع معها بحب عاصف على طريقة مأساة تايتانيك!
إنه سؤال افتراضي لكنه يحفز الذهن ويعطي رحابة في التفكير والاقتراحات،
وهكذا هي الحياة تحتاج إلى طيبة وذكاء ومغامرة.. ودهاء أحيانا، وفي الحديث الشريف (المؤمن كيّس فطن).
المؤمن يرى بنور الله.. فلا تغلق الأبواب.. ولا تفتحها على مصاريعها!
***
- رجل كبير يتحدث مع حفيده، قال: أشعر وكأن داخل قلبي ذئبين يتصارعان، ذئب عنيف وحقود، والآخر شجاع وكريم، سأله حفيده: من سيربح المعركة؟
أجابه الجد: الذئب الذي سأغذيه سيفوز!

لغة الكذب





علي المسعودي



للإعلام لغة خاصة تعتمد على الصدق في نقل الخبر، لكنها لا تعتمد على الصدق وحده، فيجب أن يكون لنقل الخبر هدف، وإلا فقد قيمته، أيضا لا بد أن يكون له مكسب، وإلا فقد فائدته.. ولذلك فإن لغة الإعلام هي خليط من الأمانة والمراوغة والتصيد، والمباغتة، والفبركة.. وقبل كل ذلك: التخطيط خلف الكواليس.
هناك حملات إعلامية منظمة يتم فيها اتباع سياسة كسر العظم، وهناك هجوم إعلامي مرتب.. يتم فيه الحفر حتى يقع المبنى على جانب من جوانبه.
الإعلام لعبة متعبة مرهقة.. ولذيذة في الوقت ذاته، لابد أن تنطلق بقوة وأنت تعرف أين ستذهب ومن ستجرف في طريقك.. ومن ستطؤه بأقدامك!
وذلك كله ربما هو ما جعل العلماء والمربين والدعاة والمتدينين والمصلحين الاجتماعيين ينسحبون من هذه اللعبة، فانفسح الطريق لأصحاب النظريات البراغماتية كي يسيطروا على الإعلام في العالم الإسلامي والعربي، حتى أصبحوا يتحكمون في وجهة نظر الشارع ويحددون طريقة تفكير المتلقي عبر الرسائل المنظمة التي يوجهونها له.
وقد أقبل أن يحارب القوة السياسية الإسلامية البراغماتيون أو العلمانيون أو الملحدون أو الليبراليون.. لكن مابال العامة، وماذا عن رجل طاعن في السن يخرج من المسجد وقد أدى الصلاة بخشوع ثم يعبر عن خوفه من حكم الإسلاميين؟
أليس من الغريب أن العامة يعبرون عن خوفهم من سيطرة الإسلاميين على السياسة.. أيضا، أليس من الواجب أن يسأل كل منهم نفسه: ما الضرر في ذلك، أليس العلمانيون والعسكر قد حكموا منذ خمسين عاما، منذ أن قفز عبدالناصر والقذافي على الحكم في مصر وليبيا، ومنذ تحولت تركيا إلى علمانية ومنذ حكم البعث في العراق وسوريا، وحكم اللا دين في تونس والجزائر وليبيا.. فبدأت الحرب منظمة ضد الدعاة فملئت بهم السجون نفوهم أو دفنوهم.. ورغم فوز الأحزاب الإسلامية في الانتخابات إلا أن نتيجة فوز الأحزاب كان يسدد فاتورتها الأعضاء من دمائهم وحرياتهم!
ألم تنظم بعض الحكومات جماعات سرية تضع لحى اصطناعية وعمائم مزورة تدعي الإسلام، فتقتحم باسمه فجرا قرى آمنة تقتل أطفالها ونساءها.. ثم تخرج مخلفة الدمار، ليكتب الإعلام العلماني: التكفيريون يقتلون القرى!
إنها حرب الإعلام.. ولا أدري متى يستيقظ أهل الدين ليقفوا أمام أهل الدنيا؟
       

مأسسة الدين!




علي المسعودي



- من مصلحة الباغي إفشاء نظرية «حسن الظن»!
د.محمد أبو موسى

أنا رجل أؤمن بنظرية المؤامرة، وأشعر أن إبداء حسن النوايا دوما هو نوع من المؤامرة، وأن نفي «نظرية المؤامرة» هو جزء من المؤامرة!
ولا يروق لي مصطلح (المؤسسة الدينية) باعتباره مصطلحا خبيثا سواء جاء قصدا أو جهلا، فهو يحوي في داخله الكثير من المعاني الغريبة، في مقدمتها أن يتحول الدين إلى جمعية تعاونية أو جمعية نفع عام، أو حتى مؤسسة مستقلة ذات مسؤولية محدودة، لها خطوط معينة ومكان واضح وإطار لا تخرج عنه، ليصبح الدين مختزلا في عدة علماء وطلبة علم يحددون بعض الفتاوى الاجتماعية (التي تناسب العصر فقط، من وجهة نظر إعلام براغماتي)، ويعملون في المسجد على إقامة صلوات الجماعة وخطبة الجمعة التي تتحدث عن حسن الخلق (من وجهة نظر براغماتية)، ويلصقون بعض البوسترات داخل المسجد.. ثم يوقعون على دفتر الانصراف ويذهبون إلى بيوتهم يمارسون حياتهم «الطبيعية» (من وجهة نظر براغماتية).
وإذا ما توسع عمل هذه المؤسسة خارج هذا الإطار فهي في أحد أمرين: إما متاجرة بالدين يحاول علماؤها التزلف للحاكم وتفصيل الفتاوى على مقاس السلطة، وإما أن يخرجوا عليه ويسعوا إلى إقامة دولة دينية إرهابية تعيدنا إلى عصور الجهل (ولا أدري أي عصور جهل تلك التي حكم فيها الدين الإسلامي.. وأي عصور علم ينعم بها الشعب العربي الأبي اليوم)؟ الدين مؤسسة ويجب ألا يصبح دولة (حسب اللغة البراغماتية التي تحكم الإعلام العربي اليوم).
إن تحويل الدين من منهج حياة -يفكر ويحدد أكبر القضايا انطلاقا من شروط الحكم وسياسة الناس ومال المسلمين والجهاد.. إلى أصغر القضايا وتفصيلها، ككف الأذى عن الناس والطرق ونظافة البدن وحفظ حق الجار- إلى مؤسسة صغيرة كانت أو كبيرة، ما هو إلا محاولة لخنق التشريع الإسلامي الذي حكم فأعز أهله، واحترم الديانات وأهلها، وصان الأعراض والدماء، وأعطى المقدسات حقها، ولم يقتل شيخا ولم يهدم كنيسة.. وبسط الأمن في الدولة ووفر الرعاية للمسلم والكتابي وحتى الملحد والمشرك.
وفي زمن أصبحت فيه بعض العقول ترى في كشف الفتاة ساقيها «أو أكثر» ونحرها «أو أكثر» حرية شخصية، أما النقاب وإطلاق اللحية وتقصير الثوب فهو تخلف وتعد على المنظر العام!.. وما ذلك إلا شهوة تريد أن تحكم فتزيح الأوطان إلى هاوية يحكم فيها الهوى..
الدين ليس لأحد دون أحد.. وليس لملتح أو مقصر ثوبه.. هو لكل الناس.. كل منهم يؤمن بالمنهج الإسلامي الرائع، ويطبق ما استطاع منه (من غير الفروض).. وعلى الدولة أن تحمي الدين وتقيمه.. فلا تعليب للدين،
ولا وطن بلا دين

تربية شعوب..




علي المسعودي



عندما يأتي إليّ أحد أبنائي وهو يبكي بكاء مفزعا، وأسأله عن السبب، يخبرني بصوت متهدج أن أخاه ضربه، فأذهب غاضبا إلى الأخ المعتدي بنية عقابه، لكنني أجده يرتجف خوفا، ويقسم لي أن الآخر هو الذي بدأ، فأحتار: هل أعاقب المعتدي المظلوم أم المعتدى عليه المكلوم؟ وليس من الحكمة أن أتجاهل الأمر.. عندها إما أن أعاقبهما بقرصة أذن.. كل على حدة وأبين له خطأه، أو أوبخهما معا بطريقة تخجلهما من تصرفهما.. ثم أذهب معهما في نزهة تصفي النفوس.
أو أعطيهما درسا لطيفا يوضح حقوق الأخوة، وأدفع كلاً منهما أن يهدي للآخر هدية تغسل ما في
نفسه من غل.
والمسؤول الكبير هو أب كبير.. عليه أن يسمع الطرفين ويعطي كل ذي حق حقه، ثم يعمل على تصفية النفوس ويبث المحبة، وعليه أن يقف في المنتصف، وإن كان قلبه يميل إلى ضفة ما. ففي نهاية فيلم «سبايدرمان».. كتب المخرج عبارة: (السلطة الكبرى..
مسؤولية كبرى)!

هرمنا..



علي المسعودي



يتلمس شعر رأسه ويقول بصوت متكسر: (هرمنا)
تجاوز الستين.. وعبر حتما الكثير من حواجز الموت والخوف والرعب والتوجس والترقب والتوقع والوجل..
كيف أسعفه القول وهو يتحدث أمام كاميرا قناة تبحث عن خبر سريع كي ينطق هذه الكلمات الموجزة الموغلة في الأوجاع؟ هل كان طوال السنين « يذاكرها».. حتى إذا جاءت اللحظة قالها في الوقت المناسب تماما، في اللحظة المواتية جدا..؟ إنه يقول (هذه فرصتكم أنتم أيها الشباب.. فنحن هرمنا.. هرمنا.. في انتظار هذه اللحظة التاريخية).
هذا يعني أنه منذ تشكل وعيه على الحلم و الواقع حوله.. بدأ في الصمت وشرع في الحلم.. الحلم بيوم حرية سيتنفس فيه غدا.. ويعمل فيه ،والظلام يتسع..لا.. ليس غدا.. بعد غد
والأحوال تسوء.. لا ليس بعد غد.. بعد بعد غد. والظلم يستفحل. ربما بعد عام.. والطغاة يتكاثرون
ربما بعد عشر سنين. أولاده أصبحوا يرون مشاهد الحرمان التي شاهدها. ربما بعد عشرين عاما.. والصبح لا يتنفس.
ستون عاما تمضي بطيئة.. كجنزير دبابة تستيقظ كل يوم على صدره. كم حلم تحطم، كم دمعة ليل انهمرت، كم حسرة وتنهيدة..؟ يا أخي.. (أنت هرمت في الستين).. أما نحن فهرمنا في العشرين

العروس للعريس.. والفرجة للمتاعيس!




علي المسعودي


لا أستطيع إلا أن أحمل مشاعر الشفقة تجاه إحدى الزميلات التي تبدو - وهي على أعتاب الستين - أنها كانت في يوم سحيق جميلة وفاتنة ومغرية!
أتأمل كلامها.. فيتضح من طريقة نطقها للحروف أنها كانت في غابر الأيام محط إعجاب الشباب..
أدقق في اختيارات ملابسها.. هناك دلائل ترف قديم.
وما زالت تلبس ملابس تليق بالفتيات، وتسرح شعرها بطريقة المراهقات..
واليوم هي تمر بملامح غزتها تجاعيد - تحاول أن تقاومها - تقاوم العمر.. إنها تتعامل مع نفسها على أنها مازالت تلك الفتاة الجذابة، وربما لم تشعر أنها كبرت أكثر مما تتصور.. ولا تدري أن لكل وردة عمرا.. ومتى ما ذبلت فقد انتهى تأثيرها..
الجمال يصبح مدعاة شفقة عندما يذوي!
ويصبح موجعا عندما يكون في بلاد كانت ساحرة وجميلة وراقية وأنيقة ورقيقة، فلعب معها الزمن لعبته.. فغزاها بالهموم والتجاعيد..
ويصبح الأمر مؤلما أكثر وأكثر.. عندما لا تحس هذه البلاد بما حدث في وجهها.. ولا تشعر أن الأضواء انتقلت منها إلى بلدان تزينت بأبهى الحلل.. فأصبحت هي نجمة العرس!
يا لك من عروس.. خطفها الأشرار ليلة عرسها! 

مطرقة جحا..

علي المسعودي


أمسك بمطرقته التاريخية وثبت في جدار السور العريق ثلاثة مسامير فولاذية..


طرق المسمار الأول.. فكانت الضربة خاطئة، شحذت طرف المسمار، فانفلت بقوة إلى الاتجاه المعاكس وكاد يطفئ عين صاحب المطرقة.. ولم يسلم من خدش جانبي.


طرق المسمار الثاني.. فكانت الضربة مائلة، لذلك تغلغل المسمار بشكل مائل، وبقي كذلك، من الصعب خلعه.. ومن المستحيل تقويمه.


طرق المسمار الثالث بشكل جيد وبتمكن، حتى اخترق الجدار، لكنه ظل يطرقه بقوة، حتى غاص في الجدار، واستمر في طرقه وطرقه وطرقه بعنف.. حتى تصدع الجدار..!!


كان يبني نعشا كبيرا لوطن جميل أثير.. 

متى استعبدتم البدون..؟




علي المسعودي
@allmasoudi


كتب الشاعر "الراحل" علي الصافي مقطعا غريبا في مجموعته اليتيمة: (وحيد كأصبع مقطوعة)، وعنون الشاعر المرتحل دخيل الخليفة مجموعته الشعرية الجديدة بـ «يد مقطوعة تطرق الباب»..
ذلك أنهما مثل شجرة سدر اقتلعت غصبا من أرضها، لكن جذرا من جذورها بقي ممتدا في عمق التراب يغذيها بالحياة والنماء، ويضمن لها البقاء، فهي شجرة منطرحة على الأرض كالميتة، وهي في الوقت ذاته مورقة ومزهرة وزاهية، ومن فرادتها أنها تثير الإعجاب والشفقة معا..
مثل أي مبدع «بدون» امتلأ صدره بحسرة طويلة، وفاض قلبه بدمع وفير، وكان دوما يداري - بخجل- حالة انعدام الهوية التي يعانيها، بسبب نظرات قاصرة أو مضايقات يتعرض لها، حتى إن هناك من يستكثر على البدون أن يكون مبدعا، فهو يجب أن يكون عديم كل شيء!
عديم الهوية، عديم الأحلام.. عديم حتى من حرية التعبير التي بسببها يعرض أمام القضاء مجموعة شباب كل ذنبهم أنهم "بدون"..  ملوا حالة الإذلال الطويلة، فخرجوا يعبرون عن حزنهم فهم يحاكمون بتهمة الحزن بدون إذن.
الحزن على أحلام موؤودة.. تنتظر يوم الخلاص.. إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قُتلت!
وكان دخيل الخليفة دوما - مثله مثل أحمد الدوسري- عكس ذلك تماماً، لا يخجل من انعدام الهوية، ولا يخبئ رأسه ولا يطأطئ، بل يجاهر ببدونيته، فيعلو كعب إبداعه بين الحضور، ويطالب بحقه الشرعي في حياة كريمة.. بصوت جهوري، ويصفع كل من تسول له أوهامه بأن هناك قصيدة بجنسية مادة أولى، وقصيدة بالتجنيس، وقصيدة «طرثوثية»!
والإبداع أصلا مولود في قلب الحزن.. مثل لؤلؤة ولدت من شرخ في قلب محارة، والحر لا يستعبد الناس، ولا ينظر إليهم بدونية.. فقد قالوا في أمثال البادية: «الزّوم.. لعيال الشوم» وفي الوقت ذاته، لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب.. على حد وصف أبي تمام.
وبصفته أجمل المخلصين للشعر..

تفرق الكثيرون عن مائدة الثقافة، وثبت هو في أرض القصيدة والمبدأ.. وللثبات ثمن يصل إلى «لقمة العيش»!

ورغم ظمئي لشعر ناعم شفيف، لم أستطع حضور حفل دعاني إليه المبدع دخيل، وهو يوقع مجموعته التي صدرت حديثا.. لكنني استمتعت بقراءتها في مساء فائت، وسأعلق الآن على جدار مكتبي هذا المقطع:
(الحب ليس مكالمة عاجلة
ولا غرفة بسريرين يستوعبان ضحكة مؤجلة
انه اعتذار متأخر
لشارع يسهر وحيدا!)







نشرت في جريدة الكويتية بتاريخ
11/12/2011

http://www.alkuwaitiah.com/ArticleDetail.aspx?id=5674

سبقك إليها عكاشة..





علي المسعودي@allmasoudi

الحياة مضمار..


والسباق قد بدأ


هناك من يقف يتفرج.. وهناك من يطالع يستهزئ.. وهناك من يركض - بضلاله –


في الاتجاه الخطأ
ومنّا من يحث السير.. لعل وعسى.. فمن يبذل الجهد بإخلاص.. ربما لن يكون في القمة، لكنه حتما سيكون قريبا منها!
وعندما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة عن 70 ألفا من أمته يدخلون الجنة بلا حساب، لم يكن (عكّاشة) يفكر بالرقم ، لماذا هو 70 ألفا، ولماذا لا يحاسبون؟
كان ذكيا والتقط الفكرة وسبق بالطلب: يا رسول الله ادع الله لي أن أكون منهم.
قال له النبي: (أنت منهم).
يا الله ما أعظم همته، وما أبلغ وعيه، وما أجمل طلبه.. كأنه يطبق تطبيقا عمليا قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)
لقد سبق.. 

وحاول آخر أن يسبق معه.. (يارسول الله ادع الله لي أن أكون منهم) فقال له النبي الكريم عليه السلام: سبقك بها عكّاشة.
لقد سبقنا جميعا «عكاشة» رضي الله عنه..
لكننا لن نقف.. سنركض خلفه.. ونقول مثل قول ابن الجموح: سأطأ بعرجتي هذه الجنة.
لا تقف.. اركض.. فأنت الآن في المضمار الذي انطلق يوم وعيك.. ولن ينتهي إلا في اليوم الأخير من عمرك.
حثّ السير.. فمن خاف أدلج..


قبلة على جبين الدوحة ...







علي المسعودي
@allmasoudi




أمي الغالية...
أحتفل بك الآن وأنا بعيد عن حضنك..
أضع الفراق الطويل في علبة ملونة ثم أشعل لك شمع الشوق.. وأهنئ نفسي بك.
بلاد الغربة باردة يا أمي رغم المدافئ الكهربائية وأنابيب الغاز المثقلة بالماء الساخن.. وأنت تبقين كما أنت حضن حب، وضلوع دفء،
وميناء سلام.
ومن بين عذاب الاغتراب، يطل يوم الثامن عشر من ديسمبر كعقد ياقوت بين أحجار الأيام الطويلة والثقيلة..
ويشيب الزمن.. وتبقين قطر الجميلة شابة في كل نبض وكل قلب وكل وريد.. أنت العروس النقية التي تتدلى جدائلها من الرويس حتى تصب في «العديد»...
وعلى امتداد كف الخريطة البهي.. أنقش حناء الوله والحب والانتماء.. والارتماء في كل قطعة أرض حلمت فيها أو وطئت عليها أو فارقتها مرغما..
أسميك قلب الأرض.. يا وطن المجد ومجد الأوطان..
ألهج بالحمد لك على كل يوم كان فيه «حمد» بهيا وحييا وشامخا كجبل..
وأجمع لك تمام المكارم.. مع كل إطلالة «تميم» يملؤنا فخرا.. وعزا وإباء..
أسميك يا أمي الغالية «وطني البعيد» الذي فارقته
ولم يفارقني...
أسقي ورد عرسك بنبع دمعي، وأشهر السيف عاليا كي يليق بفروسيتك التي ملأت الآفاق والأنحاء..
أمي الغالية.. يا دوحة كل أصيل ونبيل وجميل وجليل..
أبني لك في روحي.. مدينة أبراج تزهر ليلا بالقناديل، وتعانق نهارا السحب.. وتتجذر في الأرض مثل انغراسك في نفسي... وتظل كقلعة الزبارة شاهدة على
التاريخ الناصع.
أرصف لحبك شاطئا طاهرا يحرسه علم ملون بدماء الوفاء يخفق فوق راية بيضاء عند ديوان أبيض يشبه قلوبا سكنته..
أمي الغالية... أيتها البعيدة الأقرب من الأنفاس.. أهنئ نفسي بك بمناسبة يومك المجيد، يوم الولاء لك ولوالدي الكريم.. كريم الوجه واليد واللسان والقلب..
أمي الغالية..
قطرة قطرة، أسكبك في شراييني حتى تنهمرين على امتداد المدى.. قطرا تختصر الأرض كلها في جزيرة أشبه بسفينة ترسو على ميناء «سلوى».. أو كأنما هي قطعة أنجبتها الأرض، ثم اقتدت بأم موسى فوضعتها في اليم.. وبقيت ترضعها بالحنان والحنين..
أكتب لك بحبر المجد اسم «جاسم» .. وألهج بالدعاء لمجد اسم «حمد»..
ثم أقبل جبينك الطاهر.. «كل عام وأنت بخير يا أم الدنيا.. يا قطر».

هدهد مهاجر إلى أستراليا!





علي المسعودي
@allmasoudi


إذا نزل القضا ضاق الفضاء «الشافعي»
متى يرتاح هذا الهدهد المسافر؟ متى يجد شجرة تؤويه؟ متى يركن إلى غصن لا يخاف من بندقية تقترب بين الحفيف تترصده؟ كم شجرة مستعارة نام في حضنها فأيقظوه منها في الهزيع ليطردوه؟ كم من شجرة اندس بين أغصانها وأوراقها هربا من برد.. فهربت أغصانها عنه وتركته عاريا متجمدا! كم من مرة عاد ليجد يدا عابثة عاثت في عش صغاره وسرقت قوتهم، كم مرة فر بجناح مرتجف وقلب منهك ليلوذ بأمان لا يعرف أين يجده؟ كم من مرة حاول فيها الاستسلام للنوم لكن قلبه ظل مستيقظا قلقا غير آمن في سربه.. لا يملك قوت يومه، كم من مرة نفض جناحيه في السماء مرتعشا مرتعدا وهو يسأل: من له حق امتلاك هذا الفضاء؟ من أعطى لنفسه حق ملاحقة الطيور التي لا تريد أكثر من مساحة تقي رجليها من عثرة؟! لقد تعب هذا الطائر المسافر كثيرا وهو يطالع في عيون كثيرة تترصده وفي نظراتها شهوة الاقتناص والالتهام، تعب هذا الطائر الحزين الفرار من جائعين لا يرون فيه إلا لحما مشويا، وتعب الهرب من فارهين لا يرون فيه إلا ريشا يصلح لوسائدهم، وتعب الاختباء من عجائز يردن رأسه لسحر يقيهم الشر، ومن أطفال يتمتعون وهم يلاحقونه بالحجارة ويتدربون فيقذفونه بالموت، وعابرين يودون معرفة سر جماله. تسلمه ريح إلى ريح، وتأخذه أرض إلى أرض، ويعبر من بحر إلى بحر، كم وعدوه بالأمان فأخلفوا، كم حلفوا له بالأيمان فكفروا، كم حضروا له عشاء ليقتنصوه، كم قال لهم: أنا الهدهد المحرم قتله.. فحاولوا اغتياله، ومازال يبحث عن خبر مدينة تعبد الشمس من دون الله، لا تنشغل بعرشها العظيم عن صغر حجمه، مازال يبحث عن أرض لا فخاخ فيها.
يطير هذا الهدهد وفوقه حجارة، ومن تحته فخاخ، من ورائه بنادق، ومن أمامه مؤامرات، شبع من الفزع وتعب من الوصب، مازال يطير وحيدا وحيدا وحيدا.. حزينا حزينا حزينا.
أما آن لهذا الطائر أن يحط؟

سيّـستـنا السياسة..!





علي المسعودي
@allmasoudi


أنا لست سياسيا، لكن السياسية هي التي سيستني، مثلما يسيس السائس خيله، فقد كنت مثل حصان جامح متمرد على الأعراف، لا أهتم بالمسؤولين ولا أعرف أسماء الوزراء، ولا أتتبع أخبار الأمراء، ولا أهتم بالقوانين ولا بموادها وتفاسيرها، فلحظة قراءة مقطع شعري شفاف أهم عندي من كل اجتماعات القادة، وأجمل من قرارات الجامعة العربية!
أنا رجل أحببت الأدب، فقرأت الرواية وقرأتني القصيدة، وكتبت القصة وسكنتني اللوحة واختزلتني الصورة، وفككت مكامن الجمال في الحل والسفر.. في الشمس والقمر.
أنا لا أتدخل في السياسة، لكنها هي التي تتدخل في حياتي، فأجدها محشورة في كتاباتي، وبين ألعاب أطفالي، وأجد في فراشي بقايا عظام جثة التهمتها السياسة خلسة، ومضت مثل ذئب مخادع.
أجدها في رسائل هاتفي، في عيون الشعراء الحزينة، أجد شعرا بطعم التصريحات الصحافية، وأنا أمضغ لقمة من وجبة الغداء اليومية، وألمح عيون الأعضاء المراوغة في كل مقطع شعري أكتبه أو يكتبني، وفي كل قطعة أدبية أريد نتاجها..
أيها السياسيون، يا من تتحكمون في حياتنا وتتمنون لو ملكتم مفاتيح مماتنا، أيها السياسيون، يا من أشبعتمونا بالكلمات لكمات في الخارج، ثم تحولتم إلى الداخل تريدون أن تهزمونا في مبادئنا وفي عقائدنا وفي هواياتنا..
نرجوكم لا تقربوا منا نيرانكم، خذوا الأموال، استمتعوا بالميزانيات والمناقصات والسهرات الخضراء والصفراء والحمراء، واتركوا لنا أمننا.
لن ننازعكم في ثرائكم وفي مواكبكم وفي قصوركم الفسيحة، هنيئا لكم بالشواطئ والنساء.. خذوها كلها، واتركوا لنا هدوءنا.
لن نثور ولن نحتج، ولن نخرج في مظاهرات.. تحاربوا وتصارعوا بعيدا عنا.
فقط اتركوا لنا تفاصيل أيامنا وأولادنا، لا تفرقوا بيننا وبين جيراننا، لا تألبونا على العقائد، ولا تبغضونا في المذاهب،
ولا تفسدوا الهواء النقي حولنا.
أيتها السياسة، يا مطية كل من امتطاها، يا من تمارسين فن الصمت بعدة لغات، ويا من تتكلمين بكل لغات العالم.. نرجوك لا تسيسينا واتركينا مثل خيول برية تسرح في البيد، وتصهل كما تشاء.
أيتها السياسة.. نحن مختنقون بك.. فارفعي يديك عن رقابنا..

حبيبتي.. جدا



علي المسعودي
@allmasoudi


أرتدي أجمل وأغلى ملابسي الشتوية الأنيقة.. لأذهب بها إليها
أقابل وجهها الصبوح على شاطئ البحر، فأعيش مع ملامحها وخفقات أجنحة طيور البحر أشهى البرد، وأنا أتحرك في أوردتها.. كأصابع طفل يمشي فوق رمل الشاطئ.
أضرب معها موعدا في البر البعيد.. في الروضتين مثلا، حيث احتمالات المطر أكثر حضورا.. وأغازلها
بما يليق ببهائها وفتنتها وسحرها.
أعرفها منذ «كل سنوات عمري».. منذ أن كنت أنا، وأنا لا أكون أنا إلا بها ومعها.. أحب قسوتها، وطيبتها، وأصالتها، وكرمها، وحتى غباءها، وأتشظى فوق خريطتها..
وعندما أعود.. لا أتركها، فأنا أذهب بها إليها، وأعود - منها - بها..
ليست لغزا، ولا سرا، وكم أحبابها غيري.. فمن يقاوم حبها العنيف، وسحرها العفيف.
«الجنة تحت أقدام الأمهات».. فالجنة إذن تحت أقدام الكويت، الميلاد والمنتهى.. الحضن والمشتهى، الفرح الغارق في الدمع، والممكن الذي تجاوز المستحيل..
بلادي، ملاذي.. ودفتر ذكرياتي، عندما كان العمر هو القلم، والشوارع هي الورق، وكان انسكاب الحبر على امتداد السنوات يسجل كل شيء..
في صفحة الصيهد كانت خطوط الكتابة الأولى، في الأطراف كان الشروع في الأحلام، في الجهراء.. بدأ الفصل الثاني من رواية العمر، في الشويخ أشرقت أقماري، في كل الجامعة تمددت أغصاني، في الأحمدي تصاعدت الأحداث وامتلأ العمر بالتشويق والأشواق.. وفي مطارها كان دوما.. كل إقلاع لا يطيب إلا بعودة مرتقبة..
أعرف أنفاس الشجر في منفذ النويصيب عندما أعبر المنفذ بعد غياب طويل، وأعرف ملامح الأرض من الأعلى عندما تقترب الطائرة كأنها قبلة مرسلة من السماء إلى الأرض.. أطل من النافذة، هذه بنيدر، الفحيحيل، خزانات الأحمدي.. أعرف السيارات الصغيرة المارة في الدائري السابع، وأعرف المسار الآخر: رأس الأرض، استاد جابر، الفروانية، ومن هنا: من المطار أعود إلى قلب الكويت النابض بكل جميل. أتنفس بعمق، أملأ
صدري بأعذب هواء..
ويحضر القول: من الصعب نقل الإنسان من وطنه، لكن من المستحيل نقل وطنه منه.

أوطان تجارية!



علي المسعودي
@allmasoudi



عاد صاحبي من الصين -بعد طول غياب- فمد إليّ علبتين صغيرتين، وقال: هديتي لك.. ساعة تقليد درجة أولى لكونكورد.. الأصلية سعرها يقارب ثلاثة آلاف دولار، واشتريتها أنا من الصين بثلاثين دولارا!
وقلم تقليد درجة أولى لماركة قيمتها ألف دولار تقريبا.. اشتريته لك من الصين بـ 12 دولارا!
(يابلاش)
ومن العيب -طبعا- أن أرد هدية ثمنها على بعضها 42 دولارا.. يعني مايسوى نتناشب أنا وصاحبي: (والله ماتجيني.. علي الطلاق أن تأخذها..).
شكرا ياصديقي العزيز.. أدخلتني باثنين وأربعين دولارا عالم أناقة الشيوخ!!
وضعت القلم في جيبي، والساعة في معصمي، ولابد أن أرتب طلعة تليق بهذه (الكشخة) الصينية بنكهة سويسرية..
وينك يا (محمد منجنيق)؟
ومحمد منجنيق صديق قديم تخصص طلعات.. يعرف ممرات الأسواق، وزبائن الأسواق، وأرقام سيارات المارات قرب الأسواق..
هذه ابنة من؟.. وتلك لمن؟!
....
لكن أصدقائي يعرفون أنني أكره لبس الساعات والأقلام الماركات، فمنذ عشر سنوات أو أكثر "قطعت لبس الساعات" لأن الموبايل يغنيني عنها، ولأنني عادة أنسى ساعتي فوق رف المغسلة التي أتوضأ عليها.
وأما الأقلام الأنيقة فأحتقرها جدا.. وكم هدية جاءتني أهديتها فورا لأول شخص ألقاه.
أما آخر ساعة (ماركة حقيقية) أهديت لي فأهديتها لولدي باسل المصاب بداء الماركات مبكرا..!
......
لكن الأناقة الصينية تجربة جديدة في حياتي.. أنا سعيد أن أنتقم ممن حرموا أولادهم ليشتروا برواتبهم "ماركة"، وسعيد أكثر أن أعرف سر الشباب الذين (يدوجون) في الأسواق بأناقة تقليد.. ماركات وأخلاق تجارية!
والفرق في درجة التقليد..
فقد ترى شخصا بأناقة درجة ثانية، وآخر مزدوج الأناقة.. لابد من تحويله إلى لجنة الأنيقين بصورة غير مشروعة لسحب إحدى أناقتيه!!
وهناك متطفلون على الأناقة أشبه بالطراثيث.
ومن هذا المنطلق يجب محاكمة كل من يثبت أن له قريبا يحمل أناقة درجة ثانية
فإحدى مواد قانون الأناقة تعاقب بالحبس كل من ضلل البنات للحصول على إعجابهن بأناقة غير مشروعة!
......
وأقترح أن يتم عزل الأشخاص ذوي الأناقة التقليد درجة أولى عن أولئك المتسللين إلى الأناقة التقليد بطرق ملتوية.. وليس لديهم ما يثبت أصالة أناقتهم.
..ألا يحق لأوطان التقليد أن يعيش فيها مواطنون من طينتها؟!

مصدر السلطات جميعاً!



علي المسعودي
@allmasoudi


كنت قبل أيام في أحد الفنادق يتقدمني في البوفيه عدد من الأوربيين - وهم «خبراء نفطيون» بلا شك! - ينتظمون في دور مرتب يحافظ كل منهم على مكانه وحقه في التقدم. كنت أطالع وأتفحص بحثا عن وجوه عربية، وأفكر بطريقة أكسر فيها النظام.. عندما سمعت شخصا خلفي يقول لزميله: (سيبك من السلطة.. خش ع الجمبري!)
تجاوز الاثنان الطابور الذي يبدأ بالسلطة وذهبا إلى المقدمة حيث (الوجبة الرئيسة)!
طبعا!
في حالات الجوع الشديد تخذلك «السلطة».. فتشعر أنها لاتغني ولاتسمن من جوع. السلطة مجرد شكل لا غير، ومن يبحثون عن (لقمة عيش) في طوابير الخبز الطويلة لا يحترمون السلطة.. فهي مخصصة للمترفين الذين تتوفر في بيوتهم كل أنواع الأكل.. بما فيه أكل الحقوق!
السلطة ليست لكل من هب ودب، هي «للبشوات»
و.. (يمكن الاستغناء عن ألف البشوات»!
السلطة لها ناسها.. تعرف زبائنها.. ومن يرغب فيها، ومن لا ترغب فيه.. وهي تبادلك مشاعرك.
السلطة كذبة كبيرة، هي ليست أكثر من طماط وخيار مقصص ومخلوط.. بطريقة عشوائية! توهمك أنك شبعت.. لكنك بعد لحظات ستجوع، و(الجوعى) لا تعالج «السلطة» جوعهم. وعندما يحدث أن يدخل الفقراء بوفيه عام في بلد عربي.. يقفون أمام السلطة خائفين مرتجفين لا يعرفون كيف يتعاملون معها.. فكأنها ستأكلهم قبل أن يأكلوها! ينظرون حولهم (هل يراكم من أحد)،.. ولعل أحدهم يحمل صحن السلطة (لإثبات حسن النية) فقط.. ولو ذهبت إلى طاولته بعد الأكل ستجد أنه لم يلمس طبق السلطة.. لأن (الغلابة)
لا يتعاطون السلطة ولا يستطيعون هضم أطباقها! الشعب العربي يحب العيش (مصدر السلطات جميعا). السلطة
لا تغني عن العيش.. لكن العيش يغني عن السلطة، (أعطني عيش.. وخذ السلطة). يمكن للشعب العربي أن يقبل وليمة بلا سلطة.. لكنه يعيش اليوم أمام سلطة بلا وليمة. السلطة خس وجرجير. والشعوب تتضور جوعا و تريد (لحمة). السلطة في واد.. والشعوب في واد آخر. وأنا لا أحب السلطة.
عفوا.. أقصد السلطة فقط في البوفيه العربي. يعيش العيش.. وتسقط السلطة. يسقط الطماطم العربي.. يسقط الخيار العربي، يسقط الجرجير المزروع تحت السرير العربي!
تسقط السلطة، ويحيا الخبز.. الحافي! 


أم مناحي.. وأم تشيلسي



علي المسعودي



«ما زلت حتى هذا اليوم أعيد حبات الزيتون غير المأكولة إلى جرة الزيتون، وأغلف أصغر قطعة جبن، وأشعر بالذنب حين أرمي أي شيء». هذا الكلام ليس لجدتي «أم مناحي» رحمها الله.. بل هو لهيلاري هيو إي ردهام الشهيرة بـ «هيلاري كلينتون».
هي شخصية مبهرة وتجربة نجاح تستحق الدراسة، وأنصح بمتابعة كلماتها خارج الإطار الرسمي.. ففيها الكثير من العمق.
وكم استمتعت بكتابها «تاريخ عشته» وتجولت في ملامح شخصية ذات إصرار عجيب، اشتهر عنها أنها مرت في صحبة بيل كلينتون بمحطة بنزين يديرها حبيبها السابق فقال «بيل» متهكما: لو تزوجته لكنت اليوم زوجة مدير محطة بنزين، فردت عليه: لو كنت تزوجته لأصبح رئيسا للولايات المتحدة! 
وهذه الحكاية لم أعثر عليها في كتابها «تاريخ عشته»، وإن كانت واقعية فواضح أن بيل لم يكن لولا دعم وتوجيهات هيلاري له وتجاوزها عن الكثير من أخطائه، وبلا شك أنها كانت أقدر منه في أشياء كثيرة، وقد بدا ذلك في موقف، حيث كانا زميلين في الجامعة، تقول: لاحظت أنه كان ينظر إليّ، وكان يكرر ذلك كثيرا، نهضت من المقعد وسرت نحوه وقلت: إذا كنت ستواصل النظر إليّ وأواصل النظر إليك، يمكننا أن نتعارف، أنا هيلاري ردهام. أما الطريقة التي يروي بها بيل القصة فيقول: في تلك اللحظة لم أستطع أن أتذكر اسمي!
ملأت حياتها عملا.. وآمنت بالقول: "ما لا تتعلمه من أمك تتعلمه من العالم». قبل أشهر خرجت من اجتماع لها في الدوحة وهي تقول:
«ليس المهم الصدمات التي تجابهك في حياتك، المهم هو طريقة تعاملك معها».
عاشت في كنف والد بخيل شحيح - كما تصفه - شعاره: "ادفع وامش" وأم «مقيدة بالخيارات الضيقة»، عالمها هو المنزل وترتيب المطبخ وأحوال الأبناء..
وانطلقت لتكون السيناتور ، ثم السيدة الأولى ثم وزيرة خارجية الدولة الأكبر.
عندما قابلت الملك حسين، قالت: لم يكن المرء في حاجة لأن يعرف أن الحسين هو من أحفاد النبي محمد عندما يفاجأ بحضوره الآسر ونبله الأصيل. (اللهم صلّ عليك يا أكرم الخلق.. شهد لك من آمنوا بك ومن لم يؤمنوا بك»
وفي شخصية «أم تشلسي» يشدني عملها الدؤوب ومعرفتها نفسها وماذا تريد.. وإن كانت «أم مناحي» تلك العجوز العفيفة التي ماتت ولم تعرف الزيتون ولم تره، كانت أكثر منها عملا ومقيدة بخيارات أكثر ضيقا!
التفت حولك.. فلن تجد في القياديات لا أم مناحي المرأة "المستورة» ولا أم تشيلسي صاحبة الإنجازات.. بل ستجد من تفوز بصندوق مزور ثم «تلهف» وتبلع وتشفط .. ثم تصرح بغباء!

معارك القطط السياسية..



علي المسعودي

بعيداً عن نظريات الشفافية والوضوح فإن السياسة هي فن الصمت بعدة لغات.
والسياسة هي فن الممكن قدر الإمكان.
والسياسة هي فن توزيع الكعكة على الجميع.. بحيث يظن كل منهم أنه أخذ القطعة الأكبر!
في شاشة «السياسة » .. نشاهد الكثير من برامج الأطفال.
هناك «توم» القط القوي.. والجائع، يطارد الفأر جيري.. حتى يلقي عليه القبض.

لكن جيري، رغم ضعفه فإنه فأر مراوغ وذكي(ونجس طبعاً).. ففي اللحظة التي يصطاده فيها «القط الشرس» ويرفعه بيده ليلتقمه.. يستخرج - بشكل غير متوقع- من جيبه مطرقة يهوي بها على ذيل «توم» الذي يصرخ «من قمة رأسه» ويقفز قفزة تجعله يخترق السقف إلى الخارج.. وهو يتلمس "ذنبه" العزيز وقد «تورم».. وليجد الفأر الصغير والظريف فرصة مواتية كي يختبئ في جحره..

 وفي كل يوم فاصل جديد!
وعلينا نحن المشاهدين أن نستمتع بأساليب الطرفين في الكر والفر.. حتى لو كانت معروفة لدينا مسبقا، مع أن كثرة المشاهدة، تعمي البصر، والبصيرة.


المعركة لن تنتهي..


لأن توم صاحب المخالب القوية والقبضة الحديدية.. مشكلته تكمن في «ذنبه» الطويل!
وجيري الذكي، الضئيل والضعيف.. لن يكون قويا إلا عندما يستعين بـ «الكلب»!

...
المشهد السياسي رسوم متحركة.. فيه:
جحر.. ذَنـَب.. قط.. فأر.. كلب.. ومطرقة!
..
والعبرة في الريموت كنترول!

زائرة الفجر..



علي المسعودي




ضع قلبك على توقيت الشتاء البيولوجي.. ونم على موعد الابتهال السماوي.
فجرا.. سيوقظك الحنين حتما.. لتخلو بحبيبك .
لن تحسب إن كنت نمت كثيرا أو قليلا..
سيكون للهدوء حكاية..
هدوء النفس، طمأنينة المكان.. سكون البشر.. صمت الشجر، صوت الطيور.. غفوة العيون، وهمس الأنفاس.. والأمنيات التي تنهض!
تخطو بحذر لتتوضأ.. ماء منعش تشعر به يتسلل من وجهك إلى روحك.. روحك تغتسل بماء الفجر، حتى تصبح أشبه بطائر الجنة الأخضر.. أغصانك الغيوم وثمارك النجوم، وأجنحتك الريح، 

فتحط حيث حطت الأقمار في الليالي البهية.
ستسمع أعذب صوت وأشجى نداء، وأبدع قول، وأروع كلام يدعوك لتقترب، يحثك لتستجيب، يؤملك لترجو.. يملؤك بالبهجة..


(حي على الفلاح.. حي على الفلاح).
(الصلاة خير من النوم.. الصلاة خير من النوم)


ستذهب إليه لتشكره..

وهبك بيتا دافئا، وعافية وقوة، أعطاك أمانا، منحك المال والولد والوظيفة والقراءة والعقل.. وأنجاك من شرور نفسك كثيرا!
في الطريق تتلمس الأشياء حولك في ليل كأنه يومض بشعاع الإيمان فترى بنور البصيرة لا بالبصر.. يأخذ فكرك الملكوت، فتسبح في آلاء العظيم، وتبتسم لأن عينا ترعاك حولك دوما لا تنام..
تدخل في بهجة صلاة الفجر.. وتسجد سجدة طويلة لذيذة عميقة صادقة، تغسل أدران نفسك بدمع الحب والحزن والأمل، وتشع أطرافك بالخير.. وتتعبأ جوانجك بالرضا.
تعود إلى فراشك وقد وقعت مع ربك عقد حماية ووقاية إلى المساء (أنت في ذمة الله يوما كاملا) لأنك افتتحت اليوم بصلاة الفجر، أروع الصلوات.. وتقول: يا حي يا قيوم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

محوت كل ارهاق يوم مضى، وافتتحت آمال يوم سيأتي..
هنيئا مريئا لك هدية الرحمن لك: صلاة الفجر.. (لا طاب نوم اللي حياته خسارة)!

البحث عن شعرية الاختلاف.. في أقاصيص مكبلة


قراءة في "شغب" علي المسعودي

- بقلم د. زهرة الجلاصي *






يضم هذا المؤلف الموسوم بـ»شغب» ما ينيف عن الأربعين نصّا موزعة على أربعة محاور هي على التوالي: «قلب يسكنه وطن» و«أصدقائي شقائي» و«كلام عن الكلمة» و«ما توهمت في الحب»
ويبقى الشغب ذلك الخيط الرفيع الذي ينتظم فيه مجموع النصوص. ومن عرف المبدع علي المسعودي عن قرب، لا يستغرب ذلك، فالرجل مشاكس ومشاغب حتى النخاع.
عندما التقيته لأول مرة، على هامش مهرجان القرين الثقافي (يناير 2007)، باغتني بشغبه منذ المصافحة الأولى قائلا: «هذا أنا علي المتعوسي». وذكرني هجاؤه لنفسه بالحطيئة شيخ الهجائين العرب، وأدركت أن الرجل تعيس بهمه الإبداعي ووعيه الوجودي.
و«الشغب» ليس مجرد نزوة من نزوات الكاتب أو من تعبيرات مزاجه فحسب، بل مقوم من مقومات الخطاب ومصدر جماليته، يؤسس لشعرية تخترق المتعارف عليه. والشغب أيضا موقف ورؤية للذات وللآخرين وللمشهد الثقافي ولعالم الناس برداءاته وفواجعه ومآسيه وأفراحه، بمنجزاته الحضارية وسقطاتها.
يصادفك علي المسعودي الكاتب المشاغب في كل نصوصه وهو يلقي بحجارته في المياه الراكدة والبرك الآسنة والجداول المطمئنة، يحرك كل المياه ، يرصد ارتعاشة دوائرها المتوالدة، يكتبها نصوصا يحددها هاجس ملحّ، هو هاجس الانتماء إلى كتابة الاختلاف.
يعلن عليك علي المسعودي شغبه بدءا من صفحة الغلاف، حيث تطالعك ملامح الكاتب في شبه صورة نصفية هي أقرب ما تكون «للكليشيه» بالأسود والأبيض. تقول لك ابتسامته الساخرة: «هذا أنا.. لا لست أنا.. أتحداك إن استطعت أن تحمّض الصورة وتعرف من أنا.. لأني كائن متعدد يمتلك أكثر من أنا..».

العصيان الأجناسي: من أجل نصّ مختلف
أمّا الانتماء الأجناسي لهذه النصوص فلن تظفر به بيسر، رغم أن الكاتب قد أدرج بالبنط الصغير، على هامش الصفحة الثانية، نصا موازيا يحمل العنوان التالي: «كتبت هذه المقالات بين 1998 و2001 في مجلة المختلف، عبر زاوية (شغب) الشهرية وأضيفت لها مقالات نشرت في أماكن مختلفة». هل نسلم بهذا التصنيف الإجناسي الذي وسم به الكاتب نصوصه وقد اعتبرها مقالات، هكذا وبدون تخصيص؟
غير خاف على القارئ أن هذه النصوص تجاوزت حدود المقال الصحافي الذي يقوم على مراعاة الغاية النفعية في رهانه أساسا على توصيل المعلومة للقارئ في نطاق استراتيجيا إعلامية تروم الإخبار والتثقيف والتوجيه والتعليم. هذه النصوص، كانت في حلّ من إلزامات المقال الصحافي بحكم أنها تنزلت في فضاء زاوية خاصة بالكاتب، بما يتيح له التعاطي مع الكتابة بلا تكليف أو قيود وشروط مسبقة. وقد عرف المسعودي كيف يغنم فسحة الحرية، فاختار أن يتوجه بنصوصه إلى فئة مخصوصة من القراء المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي. بهذا نفسّر ما تميزت به هذه النصوص من احتفاء باذخ بفعل الكتابة لغاية تحقيق جمالية التلقي.
الهمّ الأدبي حاضر في كلّ نصوص المسعودي إلى حدّ الهوس بإيقاعات «نبضها الأدبي» غير آبه بمسألة التصنيف الأجناسي، وكثيرا ما يقحم في فضاءات النصوص بيانات أدبية يصف فيها موقفه من الكتابة والأجناس الأدبية، من ذلك قوله:» فأنا حين أكتب أكون لا ضدّ ولا مع أيّ جنس أدبي.. إلاّ مع خفقان الأجنحة المعذبة.. مع نبضات الأدب وهي تخفق في الشرايين.. (انظر «أقاصيص مكبلة بوحدة الشهقة»، «شغب»، ص 41).
الانتصار لفعل الكتابة وحده ودحض الحدود والفواصل بين الأجناس الأدبية من المطالب التي رفعتها النصوص الحداثية، من أجل أن تسود قيمة أساسية هي قيمة الإبداع. هكذا نتبين أن ما اقترحه علينا علي المسعودي في هذا المؤلف، ليس «مقالات» كما أوهمنا ، بل نصوص إبداعية أعلنت عصيانها للتصنيف، تتنازعها انتماءات شتّى: الشعر والخاطرة واللوحة الفنية والقصة القصيرة والحوارية وأوراق من يوميات وسيرة ذاتية وغيرية ورسم بالكلمات «بورتريه»، لوجه الكاتب ذاته أو لوجوه بعض المبدعين والفنانين ممّن ينتمون إلى حزب الاختلاف، إلى جانب تشكيلات أخرى من الوجوه، سنعرض لنماذج منها لاحقا.
يمعن علي المسعودي في مطاردة النصّ المختلف في مكونات خطابه ولغته سواء بسواء. وقد تتداخل سجلات الفصحى بالعامية ويتلبس الوصف بالسرد والتأملات بالاعترافات والجدّ بالهزل والرسالة بالحوارية والخيال بالواقع، في النص الواحد. وللمسعودي شأنه الخاص جدّا في حياكة أحابيل الفتنة التي تتخلل نصوصه، وهو لا يطمح فحسب لتحريك سواكن القارئ والإيقاع به في أحابيل النص، بل يراهن أيضا على أن يعجب القارئ بشخصية كاتب النصّ، لذلك ترشح نصوص المسعودي برواسم الذات الكاتبة ، فهو من صنف الكتّاب الحداثيين المشاغبين الذين لا يعترفون بمقولة «موت الكاتب»، فاتجهوا نحو ترسيخ حضوره في فضاءات النصّ باعتباره الطرف الأساسي في العملية الإبداعية. فالكاتب هو ثالث الأثافي أو أولها على الأرجح: الكاتب والنصّ والقارئ.

لعبة «الأنا»
نصوص المسعودي تبطن رغبة ملحة في إقامة ذلك الأفق التواصلي مع القارئ، متخذا لنفسه مقام الكاتب المحاور، لا العارف المتعالي او المبشر بقيم مثالية. المسعودي الكاتب لم يخف عن قارئه أنه كائن بشري خطّاء، ولئن حمل ميزة همّ الكتابة، لذلك لم يتردد في الكشف عن تناقضات علي المسعودي الكائن البشري، إلى حدّ الجلد الموجع للذات المعذبة في مختلف حالاتها: الانكسار والصمود والمعصية والبراءة والنزق والاستقامة والشجن والفرح والنجاح والفشل والصدق و»الافتراء» والحلم والواقع..

وجوه تتشكل في فضاءات النصوص
يتعاطى علي المسعودي في جلّ نصوصه، لعبة تشكيل الوجوه في مراوحة متصلة بين استجلاء الملامح المميزة للشخصية/الوجه وسبر جوانبها ورصد أفكارها ومواقفها وإضافاتها الإبداعية التي تبدو في أغلب الحالات، ذات صلة بتركيبة مزاجها. يبدو أن المسعودي القاصّ وظّف للغرض أساليب الاستبطان والتحليل السيكولوجي والتداعيات وفنيات رسم «البورتريه» أو الصورة النصفية التي لا تقتصر على المظهر، بل تشف عن خلاصة الجوهر الكامن في أعماق الشخصية. كل ذلك من خلال عملية مزج بارع بين الواقع والخيال، مستفيدا من ملكاته الفراسية وخبرته المكتسبة بمعادن الرجال والنساء.
ولم يستثن المسعودي نفسه من اللعبة، فقد تعددت وتنوعت محطات الانعطاف على الذات في الزمان والمكان، فنراه يستغرق في مرآة النص يتملّى صورته ويرسم لنا «بورتريه» ذاتيا (Auto-portrait) يحمل وجهه، وجها بملامح تتحول باطّراد، مصطنعا نوعا من المسافة مع ذاته، فتتحول الأنا إلى آخر يعيد تشكيل وجهه من جديد، يواجهه تارة بضمير أنت أو يتخذ منه وجها موصوفا بالوكالة، وقد حصره في ضمير الغائب «هو».. بين المقامات الذاتية والغيرية نكتشف وجه المسعودي الطفل ثم اليافع ثم الشاب ثم الرجل الذي وضع قدمه على عتبة الكهولة، المسعودي الإنسان والمبدع وهو يرزح تحت أوزار المعاناة والهموم الذاتية والوجودية والقومية.
شاء له قدره أن يكون من مواليد نكسة أو هزيمة 67، إن لم يحلّ للوجود على مرمى أشهر منها، فهو إذا من أبناء الهزيمة، وسيكون له موعد مع الفواجع. من ذلك موت الأم وهو لم يتجاوز سنّ السابعة. في نص «خاص جدّا» يرسم لنا وجه طفل يتيم يواجه موقف الفقد الصعب – فقد الأم – فيصدر عنه سلوك غير مألوف، كأن لا يبكي الأم الفقيدة على غرار شقيقه، ويقول في ذلك:» كأنني أجلت حزني إلى أن أكبر، حتى أعطي الحزن حقّه، أو كأن أمّي هي التي يجب أن تحزن لأنها تركتني وحيدا.. غريبا» (ص12). وتتنوع تجليات الحزن على وجه المسعودي يستثيرها فقد الأصدقاء والأحباء وأحوال الضياع والغربة الوجودية وسط الزحام وهواجس العذاب والموت والتفاهة.
وفي نصّ «حديث الروح» يحادث المسعودي وجه «التافه» المتخاذل في خطاب مغرق في التقريع والسخرية السوداء: «تافهون كثّر حققوا مراكز أفضل ممّا حققت ونالوا أكثر ممّا نلت وعلا صوتهم صوتك .. يا إلهي، أنت حتى في التفاهة فشلت» (حديث الروح، ص 15).

وجه الطفولة
ويبقى وجه الطفولة « أكثر الوجوه إشراقا»، فهو الملاذ والمهرب، على غرار الرومانسيين، يهرع المسعودي إلى مرابع الطفولة ليقف على أطلالها عسى أن يسترجع الطفل الذي كان ويتبين «بالصور المخزنة في الورق الصقيل» (حسب تعبيره)، ليتبين ما طرأ على وجهه من تحولات: «إن الطفل المخزن في الورق المصقول هو أنا الذي لا يمتّ إليّ بصلة، إلا عندما ينظر إليّ نظرات مشحونة بالعاطفة. لا أستطيع مقاومة الإطلال عليها أو مجابهة ما تحمله من تفاصيل صغيرة تئن في قاع الروح وتدقّ في أقاصي الذاكرة وتلعب في خفقات القلب.. هذا هو أنا، طفل كبر وتلوث وتعلّم وحاول أن يطهّر نفسه، كما حاول أن يكون صادقا مرّة وطيّبا مرة وشرسا مرّة وإنسانا مرّة ونصف إنسان مرّة.. هذا هو أنا علي المسعودي: طفل وشاب ورجل عرف أن الرهان مع الزمن، هو الرهان الوحيد المستحيل مع الحياة.. لذلك أصبح ينظر إلى وجه ابنه «باسل» ويقول له: أذكرني « لأن كل ما فوق التراب، تراب» ( نص «اعتقال لحظة هاربة من العمر»، ص 9).
هذا المقطع الذي أدرجناه، يحمل همّا «سيرذاتيا» يلازم الكاتب في العديد من النصوص، حيث نصادف نتفا من سيرة ذاتية لأن المسعودي أدرجها كما اتفق دون أن يلتمس لها بداية أو نهاية أو يعلن عن ميثاق «سيرذاتي» صريح. كأنما هو مهووس برسم وجوهه أكثر من الانكباب على سيرة حياته. لهذه الاعتبارات، يمعن المسعودي في ملاحقة وجهه، فيوظف للغرض اليوميات واللوحات الفنية والتأملات والقصة والرسالة والحوارية والاعترافات والتداعيات وآليات التناص، ممثلة على الخصوص في تلك النصوص الموازية أو النصوص العتبات التي تحتل مرتبة الصدارة من كلّ كتاباته وتمثل طقسا من طقوسها، فضلا عن كونها تشي بالمرجعية المعرفية للكاتب. فالمسعودي لا يخفي ولعه بمحاورة وجوه معروفة من الكتّاب والشعراء والفنانين الذين تميزوا بقيمة إبداعاتهم، ولا غرابة في أن يكون المسعودي الكاتب ضمن «مجمع الكتّاب» الحاضرين في صالون نصوص مؤلف «شغب». يكفي أن يصطنع الغيرية ويجترح من ذاته ذاتا أخرى تحاور سميّها علي المسعودي، متوسلا بقناة «الرسالة» التي سرعان ما تلتبس بالحوارية، وهو ما نكتشفه في ذلك النص الطريف الذي يتوجه به علي المسعودي لعلي المسعودي المبدع: «العزيز علي، لا يمكنني إلاّ أن أمتدح الزهور وهذه الطريقة العابقة في استتباب الذاكرة وأنت تنثرها بذورا لكنك حين ترشها بالماء السلسبيل تراها وقد أطلت برؤوسها اليانعة الخضراء مبتسمة بوجه إشراقة الشمس.. تلك القطع زاهية رائعة مثل وردات حيّية عاطرة يمكنك أن تقول إنها «نصّ أدبي» دونما تحديد لجنسها. يمكنك أن تقول هي أقاصيص مكبّلة بوحدة الشهقة...» (نص «أقاصيص مكبلة بوحدة الشهقة»، ص 40).
على هذا النحو يجمع المسعودي بين حرفية القاصّ ومهارته في رسم الوجوه وبناء الشخصيات وسبر الأحوال السيكولوجية ودور الملاحظ/الشاهد على المشهد الثقافي والفني وعلى الواقع المعيش عموما، فالحس النقدي المتيقظ لديه يخترق كل النصوص تقريبا.. لا مراء في أن متعة القراءة مضمونة لقارئ نصوص «شغب»، نظرا لما تتوفر عليه من قيمة جمالية.
بقي ثمة سؤال ظل يلحّ عليّ وأنا أقرأ هذه النصوص: لماذا أقدم علي المسعودي على إجهاض العديد من القصص القصيرة ليختار نصّ المقال بديلا عنها؟


*باحثة تونسية

أحلام صغيرة جدا





علي المسعودي
@allmasoudi

أحلم بين يوم وآخر أن أمشي في بر بلد عربي بعيد، وحيدا، وأقترب من شجرة فأجد تحتها رجلا نائما بهدوء، ما إن يحس بحركتي حتى يستيقظ فيسألني عن أحوالي وأولادي، أسأله: من أنت؟ فيخبرني أنه حاكم البلاد الذي عدل، فأمن، فنام.
وأحلم بين يوم وآخر أن أذهب إلى مطعم وجبات سريعة مع أطفالي، أتركهم يلعبون في ألعاب ذلك المطعم، ثم أسمع بعد قليل جلبة وصراخا، فأذهب مسرعا لأجد أولادي قد تشاجروا مع أطفال آخرين، ثم أكتشف أن أولئك الأطفال هم أبناء رئيس وزراء ذلك البلد العربي، حيث يأتي بنفسه يقبل أطفالي ويعتذر مني، أتبادل معه الابتسامات والتحايا، ثم أخرج مطمئنا.. مرتاحا.
أحلم بين يوم ويوم أن يرن هاتف منزلي فأرد، لأجد رجلا يسألني إن كانت برامج التلفزيون تسبب لي أو لأسرتي إزعاجا ما، فأسأله من أنت، ليقول لي إنه وزير الإعلام.
وأحلم مرات أن أذهب إلى المرور أدفع مخالفات سيارتي.. وعندما أقف في الطابور يقف معي ابن وزير الداخلية ليدفع مثلي مخالفات ممنوع الوقوف وتجاوز السرعة.
وأحلم من ضمن أحلام اليقظة أن يُطرق باب بيتي ظهرا، أذهب لأفتحه فأجد هناك من يحمل صينية أكل، أسال ممن؟ فيقال لي: هذا وزير الأوقاف بعث إليك بصينية غداء صنعه في بيته.
وأحلم أن أشاهد يوما لقاء في فضائية مع رئيس وزراء، يتلقى أثناء اللقاء اتصالات المشاهدين.. ويجيب عن أسئلتهم.
إنها مجرد أحلام.. تودّي بستين "كابوس"!