الخميس، 9 مايو 2013

صلاة مأجورة..




بقلم: علي المسعودي



رغم أنني حفظت السور المقررة.. وبرغم تفوقي تفوقي في الفصل، فوجئت أن مدرس التربية الإسلامية في الصف الثالث الابتدائي الأستاذ "صالح" أنقص معدلي في الشهادة خمس درجات أثرت على ترتيبي..!
وعندما سألت، اكتشفت أنني لست من أولئك الذين يحرصون على الصلاة في مسجد المدرسة ثم يسلمون على إمامهم الأستاذ صالح، ليضمنوا الخمس درجات التي رصدها لمن يحافظ على صلاته.. وربما كنت الوحيد في الفصل الذي غفل عن ذلك.
منذ تلك اللحظة... حرصت أن أصلي خلف الأستاذ صالح مباشرة.. وبعد الصلاة ألفت انتباهه وأسلم عليه وأركز عيني في عينيه حتى أطمئن أنه ثبّت وجودي..
في الشهادة التالية، حصلت على الدرجة الكاملة..!
ورغم أنني كنت أصلاً من المصلين وإن فاتني بعض الفروض، إلا أن  صلاتي تلك  أمام مدرس التربية الاسلامية في مدرسة نعيم بن مسعود.. كانت فقط من أجل الحصول على درجة كاملة في الشهادة.. والأعمال بالنيات، ولكل امرئ مانوى!!
أما في العام التالي فكنا نتسابق في البيت أنا وصديق الطفولة (خلف) من ينهي صلاة العصر أسرع.. وكان هو يسبقني دائما، حتى أنني شككت أنه لا يقرأ سورة الفاتحة.. لكنه أقسم لي أنه يقرأها، وللاطمئنان على شرف التنافس كنت أختلس النظر لحركة شفتيه أثناء (سباق الصلاة) لأتأكد هل يتلو الفاتحة أم لأ.. فتيقنت أنه يقرأها بسرعة عجيبة..
وفي السنة الثانية من المرحلة المتوسطة.. ذهبنا إلى مسجد مدرسة "علي السالم".. نتعلم الصلاة كما صلاها النبي الكريم.. لكن أبناء العم (غانم وخليفة).. حولا الصف الخلفي للمصلين إلى حلبة صراع بالأقدام.. كل منهما يدوس قدم الآخر، ثم تحولت اللعبة إلى ضرب عنيف.. أغرقنا في موجة ضحك مجنون.. كانت نتيجته الطرد من الحصة..
وفي عالم الثقافة والمثقفين .. كان من غير اللائق جداّ أن تقطع حديث المبدعين في منتدى أدبي تسمع فيه أذان المغرب من المسجد القريب.. لكي تطلب أن تقام صلاة الجماعة، لأنك فعلا ستتهم بالتخلف..
عليك إن أردت الصلاة أن تذهب بسكوت، وخفية.. وتصلي في مكان منعزل ثم تعود إلى المنتدى الأدبي.. بدون أن تشعرهم أنك ارتكبت إثم  الصلاة..!
وكبرنا..
وظهر النذير الأول للعمر في معالم الوجه..
غاب وجه  الأستاذ صالح... فلم أعد أذكر من ملامحه شيئا..
وغاب من حياتي صديق الطفولة خلف.. وهاجر غانم.. وابتعد خليفة،
وتركت عالم المنتديات الثقافية..
بقي كل ما اعتقدت أنه الأساس.. فأصبح هامشيا..
وما كان على الهامش.. صار هو اللب.
ذهب الجميع: الأصدقاء والزملاء.. وبقي معي أنيس واحد..
بقيت معي  (الصلاة)..
لم أبتعد كثيرا عن الهدف الأول.. فقط غيرت البوصلة.. فتلك الصلاة كنت أرجو ثوابها من "رب الفصل"، أما صلاتي هذه فأريد أجرها من "رب العرش"..
صلاتي تلك كانت تحرمني من متعة اللهو في الفرصة.. وصلاتي هذه تأخذني من اللهو، إلى قيمة الحياة ومتعة المناجاة
مشكلتي مع صلاتي تلك أنها كانت تفصلني عن أصحابي.. وصلاتي اليوم أجمل مافيها أنها تفصلني عن كل الناس.. وتأخذني في شوق يطير بالقلب ويسبح به في فضاء الرحمة والسكينة..
كلما حزنت.. ركنت إليها
كلما احترت.. كانت الحل

أسجد سجدة طويلة
وعندما ألصق جبهتي بالأرض.. أعرف أنّ هذا هو أعلى مكان يمكن أن أبلغه في حياتي

أنا الآن في أقرب نقطة ممكنة من الله
تختلط حرارة الدمع.. بتهدج صوت الدعاء.. فيصبح للصوت معنى وللدمع لذة
....
كنت أصلي.. ولازلت.. الفرق في النية فقط..
(وهنا يكمن طعم الحياة...)
..
هل أحسست يوما بطعم الحديث النبوي (جُعلت قرة عيني في الصلاة)؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق