الأحد، 22 ديسمبر 2013

لو قرن العوني بين حجرين لتصادما!!



الأفحج شاعر وزّع بضاعة دكان خاله على الجميلات
محمد العوني.. الذي قال عنه والد الملك عبدالعزيز: "لو قرن العوني بين حجرين لتصادما"!!

بقلم: علي المسعودي
هو الشاعر المخيف الذي قال:
كل ما شب نار ولعته منا
الحرايب نولعها ونطفيها
دام ما صار راس زمامها حنا
لو بغت نجد تركد ما نخليها
لطالما كانت حكايات العوني.. لطالما كانت مادة سهر وسمر، ولطالما ألقى البدوي من صدرة الأحزان العونية وهو يلقم النار أمامه الحطب في ليلي البرد..
الحكمة، والدهاء، والفتن، وقوة الوصف، كلها تجمعت في شاعر نجد الكبير (محمد العوني) حتى تحول إلى أسطورة..
لقد كان حضوره الشعري مرعبا حتى لكبار الحكام الذين يخشون من شعره الذي قد يؤلب به الناس وينجح
أليس هو القائل:
(ليست العبرة بالذي يدبر الجيوش، ويقودها، ويحارب في الميادين... بل العبرة بالرجل الجالس أمام الموقد يصلح قهوته، ويستطيع في جلسته تلك أن يشعلها حرباً ضروساً بين من شاء من القبائل!!).
هو ذلك البدوي الذي كان عبر شعره سبب إشعال العديد من المعارك
وهو ذلك (الذهين) الذي لفرط ذكائه يدعي الغباء ليخدع به الناس.. وذلك وفق قوله:
آتديبج، وانا ما نيب دبّوجة
واسفه العلم.. كنّي ما اتمعنى به
والمسايل بصدري.. تقل منسوجة
افتح الراي.. لى منه غلق بابه
هو ذلك الداهية الذي قال ذات يوم:
وقوله هذا هو مجاراة معنوية غير متمعدة  للبيت العربي القديم:
ليس الغبي بسبب في قومه
لكن سيد قومه المتغابي
وقد علا صوته بعد معركة الصريف بين حاكم الكويت وابن رشيد فقام بتحريض الشيخ مبارك الصباح على الثأر لمعركة الصريف:
ولا عيب الفتى غلب الحروب
أمورٍ.. بيد غفار الخطايا
ترى عيب الفتى دوس العيوب
وترك (الثار) من بعد الرزايا
وتطنيب الرغا عقب الهدير
وطلب الصلح من بعد الهوايا
وشورٍ بالمقام ان كان شدّوا
إلى ما صاح صيّاح الحمايا
فلا يفرحك يا الشمات.. يومٍ
تحسب انها قضت.. بعده قضايا
هو الرجل المثير الذي
ولقد تجاوز حضور العوني الشعري الحاجز النقدي عند الأدباء ليصل إلى مجالس الحكم وهي في أشرس مواقف تحقيق الوجود إذ قال عنه الإمام عبد الرحمن الفيصل (والد الملك عبد العزيز): (لو قرن العوني بين حجرين.. لتصادما).
أرجح الأقوال أن الشاعر محمد بن عبد الله العوني ولد في بلدة الربيعية شرق بريدة سنة 1285هـ (1868م) من أسرة بسيطة حيث يعمل والده  بالبناء، ويشير أهل بريدة إلى بعض الأبنية التي قام والده ببنائها مائلة للعيان حتى يومنا، ومنها بيت أسرة العوني.
وللشاعر شقيق وحيد هو حمد، وخمس شقيقات ، وقد أشار بعض المؤرخين إلى أنه ينتسب إلى قبيلة شمر استنادا إلى قوله:
على بني عمي سنادي عن الميل
نطاحة الكايد كبار الهوايل
(شمر) مقابيس المنايا هل الخيل
عصمان الاريا.. مقحمين الدبايل
لكن الحقيقة أن العوني في شعره السابق كان يتحدث بلسان الأمير سعود بن عبد العزيز الرشيد أمير حائل الشمري، وليس بلسانه هو.
دخل محمد العوني في صغره أحد الكتاتيب في الربيعية ثم انتقل إلى بريدة مع أسرته، فأخذ العلم على يد عالميها الشهيرين (محمد بن عبد الله بن سليم) و(محمد بن عمر بن سليم)، وتميز في العلوم الشرعية، وكان العوني مهيأ لتولي منصب القضاء في المستقبل لولا حبه للشعر، وانشغاله به.
ومن أوصاف العوني الشهيرة أنه كان  أفحج اليدين، فإذا مشى فإنه يفحج ذراعيه، ويحنيهما إلى الخلف كأنهما جناحا طائر.
كان في سن الثامنة عشرة من عمره، عندما انتقل إلى الكويت وسكن لدى اثنين من أخواله يملكان دكاناً هناك، ويعمل مساعداً لهما، وذكر المؤرخ فهد المارك أن أحد أخواله اسمه (علي بن دعيج).
وذات يوم قرر خالاه للسفر إلى الهند من أجل التجارة، وأودعا الدكان لدى العوني، وعلماه بأسعار البضاعة وعندما عادا وجدا الدكان خالياً من البضاعة وعندما سألاه عن النقود، أخبرهما أنه باعها بالدين وقدم لهما قائمة الدين، وكانت المفاجأة أن البيع كان لعدد من النساء حسب كشف الدين الذي جاء أشبه بما يلي:
 (العيطموس 2  روبية، المربوعة 3 روبيات ، وعند اللعوب كذا، الضحوك  6 آنات، وعند أم برقع كذا.. وهكذا)!!
وهكذا ضاعت البضاعة بسبب ضعف الشاعر أمام النساء، وفشل مشروع العوني في أن يكون تاجراً ناجحاً، وأمام لوم خاليه له قرر العوني أن يعود إلى أهله في بريدة، فاتفق مع قافلة متجهة إلى القصيم، ورجع إلى منزل خاليه ليأتي بملابسه، ولما رجع إلى القافلة وجدها قد غادرت الكويت.
وعلى شاطئ بحر في جلسة ليلية تفجرت شاعرية العوني، فنظم أولى قصائده الطويلة، وأولها:
حل الرحيل، وحل بالقلب ولوال
تذكير.. تفكير التفاكير، والقيل
وفيها يذكر بريدة:
عسى عسى.. بمحلتمٍ يطرب البال
متراكمٍ مزنه.. بركنه قناديل
محن مرنٍّ.. للرعد فيه زلزال
مترابعٍ.. يومر بسقيه مكائيل
يسقي مزلّ الرخم.. للسيح ووثال
ويمطر على (قصر الحويطي) تنافيل
يسقي القصيم بنفلته.. عقب الامحال
ويخص دارٍ.. ضدّها يسهر الليل
دار (المهنا).. مفحمة كل مشوال
دار الثنا.. دار الصخا والمشاكيل
 ويقول المارك في (مخطوطة تاريخ جيل في حياة رجل) الى رحلات العوني في الجزيرة العربية ومنها زيارته لمكة للحج وفيها تحدى شعراء مكة بهذه المنظومة على ان يأتوا بمثلها وهي قصيدته التي كانت جميع حروفها بدون نقط وتطلق عليها الملهمة وقصيدته هذه غزلية ومطلعها:
هل الهلال وكامل الدمع مدرار
الى هل وهمل كالمطر ماطره هل
على مود مالك الله ولاصار
لا هو ولد حوى ولأدم دل
كامل كماله ملح والدل ولكار
اسود على صدره كالمسك عمل
واستطاع العوني ان يكسب التحدي وان يجعل هؤلاء الشعراء مكتوفي الأيدي وسُقط في ايديهم ويتوقف المارك عند مرحلة من مراحل حياة العوني وهو اللقاء الاول بين الملك عبدالعزيز والشاعر العوني بعيد انتصاره ومقره بالرياض ،وقصيدته المشهورة في فتح الملك عبدالعزيز للرياض عام 1319ه من احسن القصائد في تصوير ملحمة الرياض.
ويذكر الباحث ابراهيم الخالدي أن شعر محمد العوني يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
1- شعره في السنوات الأولى من القرن العشرين، ويظهر موقف العوني مؤيداً لتحالف الصريف، والذي ضم الشيخ مبارك الصباح، وآل سعود، والسعدون، والمهنا، وغيرهم من قبائل وأسر الكويت وجنوبي العراق ونجد.
ويقيم العوني في هذه الفترة في الكويت حيناً، وإلى جانب سعدون باشا في معقل المنتفق بسوق الشيوخ حيناً آخر حتى وفاة سعدون باشا في حلب سنة 1911م.
2- بعد تحالف حاكم حائل الأمير سعود بن عبد العزيز الرشيد مع الشيخ عجمي باشا بن سعدون باشا السعدون الذي خلف أباه في مشيخة المنتفق سنة 1912م يتحول العوني إلى موالاة سعود الرشيد (وهو الذي كان يحرض القبائل على حرب أبيه!!)، فنظم كثيراً من القصائد في مدحه، والدفاع عنه، وتحريض القبائل لنصرته، والوقوف إلى جانبه، وبعد وفاة سعود الرشيد سنة 1919م استمر العوني يناصر حكام حائل حتى سقوط حائل سنة 1921م بعد حصار نظم خلاله العوني العديد من القصائد الحماسية.
3- أشعاره في السجن مستنجداً بالحكام للتوسط لدى الملك عبد العزيز للعفو عنه الأمر الذي أثمر عفواً عن الشاعر قبيل فترة قصيرة من وفاته.
·       الخلوج:
لا يذكر العوني إلا وتذكر معه قصيدته الأشهر (الخلوج)، وقد كتبها العوني في قصر الشيخ مبارك الصباح في الكويت في التحريض على الأخذ بثأر الهزيمة من الأمير عبد العزيز الرشيد، وقد تغنى بها المطرب الكويتي عبد الله الفضالة في عزف منفرد على آلة الكمان.
واستوحى العوني موضوعها من حنين ناقة (خلوج/ ثكلى) سمعه في القصر، فوظف هذا الحنين في قصيدة تدور في المحاور الأربعة الآتية:
1- تشبيه حزن الشاعر بالخلوج من جراء بعده عن بريدة، وما يصيبها، ومنه قوله:
بكيت على دارٍ.. نشينا بربعها
معلومها خشم الرعن من شمالها
دارٍ بنجدٍ.. كان قبل ذا
ومن صكته غبر الليالي.. عنا لها
هي أمنا.. وا حلو مطعوم درّها
غذتنا، وربتنا، وحنا عيالها
برورٍ بنا.. ما مثلها يكرم الضنى
وصولٍ لنا.. لكن نسينا وصالها
ولحدٍ جزع من صيحته.. يوم سلبت
ولحدٍ جزع من عقبنا.. وش جرا لها
2- تحريض تجار عقيل من أهالي القصيم الموجودين في الشام على العودة إلى بلادهم، وتسليح مواطينهم بالأسلحة الحديثة لمحاربة ابن رشيد، ومنه قوله:
أولاد علي.. اليوم ذا وقت نفعكم
لا رحم ابو نفسٍ تتاجر بمالها
أولاد علي.. اليوم ما هو بباكر
قوموا بعزم الليث خلوا ارذالها
ترى مركب الأخطار هو مركب العلا
ولا يدرك العليا يكود اشكالها
3- مدح الشيخ مبارك الصباح لضمان مساعدته لأهل القصيم، وإعادة الكرة للثأر للصريف، ومنه قوله:
ما دام (ابو جابر) على العز والبقا
عنا ثقيلات الحمول ارتكى لها
إلى احترك.. سبع الجزاير تحركت
والى سكن.. تسكن رواسي جبالها
4- مدح سعدون باشا شيخ المنتفق، ومدح عائلته لتحريضه على الثأر لأخيه عبد الله وابن أخيه حمود بن عبد الله اللذين قتلا في الصريف، ويستغرق هذا المدح كامل النصف الثاني من القصيدة، ومنه قوله:
امشوا برايه.. ثم راي (ابو ثامر)
أبو كلمةٍ يافي بها حين قالها
عرق الوفا. بحر الندى. مرهق العدى
وان صاحت الهيجا.. تعرفه جمالها
ومصقلات الهند.. تدعي له البقا
لولاه.. كان اصدت بغمده.. سلالها
تذرّى به السرحان والنمر والفهد
ومن هيبته.. كلٍّ رقد في ظلالها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق