الساعات الأخيرة في قصر الحمراء..
تدور أحداث الحكاية في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي . حكاية قصيرة ... لكن الزمن ظل يسردها طويلا .. عن الأمير موسى بن أبي الغسان بعيد الهمة كريم السجية , أبي النفس , باهر القوة مستوفيا شروط الفتوة , بهي الوجه نافذ العزيمة , حدا في عزة النفس وذكاء الطبع .
لم يذكر أدرب منه في عصره بفنون الفروسيه , ولا أحس منه اقتعادا لصهوات
الخيل , ولا ألبق ولا أرشق حركة بألعاب السيف والترس وتقليب السلاح بأنواعه , كان
إذا برز في ميدان ترك أمره فتنة لحسان غرناطة , ومدارا لحديث الأندلسيات , وإذا
شهد الكريهة قذف مشهده الرعب في قلوب الإسبان , وطالما نصر المسلمون باسمه .
كان موسى ناقما على السلطان أبي عبد الله الصغير – ملك غرناطة الصغير –
هوادته مع النصارى , ولين جانبه لهم , فعندما وصل إلى غرناطة رسل الملك الإسباني
فرديناند وشاع ما طلبه من تسليم الحضرة , والنزول عن " الحمراء " آخر ما
تبقى من قلاع غرناطة , قام موسى هو وتلك الفئة المائلة إلى الحرب مستنفرين العامة
إلى الجهاد , وإلى عواقب الخضوع من فقد الأمن على الأعراض والدماء والأموال .
وأعمل موسى في الاحتشاد وبالغ في النفير , فاجتمع فتيان غرناطة وأرسلوا الجواب إلى
فرديناند أنهم يفضلون الموت على تسليم مدينتهم . فلما أيقن فرديناند ما أجمعوا
عليه أطلق الغارات على الأطراف , بينما تبايع موسى بن أبي الغسان وفتيان غرناطة
على القتال حتى الموت .
فلما أخذ الأسباب يشنون الغارات خرج الأمير موسى بفرسانه فوالى عليهم
الهزائم , وصارت خيوله وسراياه تعود بالغنائم , وتدخل إلى غرناطة دخول الظافر ,
مما أعاد إلى خواطر عرب الأندلس ذكر الأيام الماضية وأمجادها الغابرة .
فلما أدرك فرديناند خطر المواجهة , عمد إلى تخريب المدينة من أطرافها ,
فحضر بخمسة آلاف فارس وعشرين ألف راجل , وأخذ يكتسح مرج غرناطة البديع النضير ,
فشمل تلك المروج تخريبا , وبعث النار في جميع أرجائها حتى غطى الدخان الأفق ,
وأظلم جو غرناطة من دخان شجرها , هذا وأبو عبد الله لا يجسر على الخروج من حمرائه خوفا
من فتك العامة به , لقولهم إنه هو سبب هذه المصائب .
أما موسى فقسم فرسانه إلى عدة كتائب , وأطلق الغارات على أطراف معسكر
الأسبان , فأبلغ فيهم النكاية , ولما رأى " فرديناند " أن مناجزة
المغاربة في هذه المناوشات الخاصة , تعود غالبا بالخسران على عسكره , أصدر أمره
الصارم باجتناب القتال معهم , والاعتماد على العبث في بلادهم , واكتساح أراضيهم ,
واستئصال أسباب القوت , ليأخذ غرناطة بالمجاعة بدل الحرب .
وقد جاءت لأهالي غرناطة ضربة موجعة لم يحسبوا لها حسابا , وذلك بخيانة أحد
قوادهم العرب وهروب إلى القوات الإسبانية , وذلك هو مولاي أبي عبد الله المزعل
الذي انضم ومن معه من فرسانه إلى القوات الإسبانية , محاربا ضد أبناء عمومته وأهل
دينه .
وبعد أن عطل فرديناند مروج غرناطة , زحف بأربعين ألف راجل وعشرة آلاف فارس
لحصار المدينة , وكانت الملكة " إبزابيلا " مع ولدها البرنس جويان
وابنتيها جويانة مارية وكاتاليتة في حصن " كونت تنديله " تبعث بالمدد
والذخيرة إلى المعسكر , فلما رأى السلطان أبو عبد الله من شرفات الحمراء جيوش
الطاغية مقبلة , عقد مجلسا من أعيان غرناطة , فأشاروا عليه بتسليم مقاليد أمره إلى
كرم فرديناند أملا بنهاية مقبولة , عقد مجلسا من أعيان غرناطة , فأشاروا علية
بتسليم مقاليد أمره إلى كرم فرديناند أملا بنهاية مقبولة , فلما سمع موسى بن أبي
الغسان هذا الرأي نهض قائلا : " أي باعث بنا إلى اليأس , فإن دم الأبطال من
عرب الأندلس فاتحي هذه الديار يجري في عروقنا " , ولما قرب النصارى من
المدينة أحكم المغاربة أقفال الأبواب وجعلوا وراءها السدود والسلاسل وأوثقوها
بالأغلال المتينة , فجاء موسى وأمر برفعها كلها قائلا : " قد عهد إلى والى
خيالتي حراسة هذه الأبواب , وستكون أجسادنا سدودا من دونها ".
ولما رأى موسى أن الملك فرديناند لا يناوشهم القتال منتظرا تسليم البلد
بالحصر والتضييق وقطع الميرة , أخذ يرسل فرسانه لمبارزة فرسان الأسبان قرنا لقرن ,
فلم يكن يمضي يوم إلا ويقع فيه عدة مبارزات بين شبان الطائفتين , فرأى فرديناند أن
هذه المصارعات الشخصية قد أثارت جاش المغاربة , وقوت عزائمهم , وأفقدت عددا من
فرسانه , فأمر جيشه بعدم قبول النزال .
ومن وحي ذلك قال شاعر ذلك العصر سيدي محمد العربي العقيلي :
بالطبل فـــــي كـــــــــل يـــــــــــــــــــوم
وبالــــــــــــــنـــــفـــــــــــــيـــر
نــــــــــــــراع
ولـــــــــــــــــــيس من بعــــــــد هـــــــذا
وذاك إلا
الـــــــــــــــــــــــــــــــــقــــــــــــراع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق