الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

انتهى الدرس.. !!






طفل يخرج من مدن الصفيح ، ويمشي الكيلومترات مشيا.. حيث مدرسة نعيم بن مسعود الابتدائية في أطراف جليب الشيوخ..
هناك التقى بأستاذ قادم من عالم الاسمنت..!
الإنسان في رجل الاسمنت والإنسان في طفل الصفيح استعصيا على الماديات..!
كان التلميذ هو أنا.... وكان الأستاذ هو المحامي صلاح الهاشم..
ذلك الفتى بهي الحضور.. أنيق المظهر.. يأتي يوما بدشداشة.. ويأتي في يوم آخر ببدلة افرنجية!
مازلت حتى اليوم أستفيد من درسه عن طريقة رسم الهمزة المتوسطة:

رسم على السبورة - أيام الطباشير الملونة - حلبة مصارعة.. وقال.. أن أربع حركات تبارت في هذه الحلبة للفوز بالهمزة.. هي: الضمة والكسرة والفتحة والسكون..
وبطريقة تمثيلية مشوقة وبأسلوب قص ممتع فازت حركة الكسرة على الجميع، بينما كانت السكون هي المهزوم الأكبر..
منذ ذلك الدرس يندر أن أخطئ بطريقة كتابة الهمزة المتوسطة..
وبعد أن ينتهي من الشرح، يخاطبني: (يا الله علاوي.. اقرأ).. وبذلك يكون نصف وقت الحصة قد انتهى.
أما نصف الحصة الآخر.. فيشرح لنا فيه الحياة..
ننظر إليه بانبهار.. فهو رجل قادم من مناطق الكهرباء.. نحن أبناء فوانيس الليل..
منه عرفنا ماذا تعني دراسة جامعية..
يخبرنا عن زميلاته في الجامعة.. عن نخلة زرعها في البيت منذ خمس سنوات.. يشير إلينا عن طولها فيرفع يده بما يوازي قاماتنا..
غني لنا أغنية جميلة.. فيها قصة لم يسعه وقت الحصة لإكمالها..
ومن طرائفه أنه أخذ يؤنب أحد الطلبة الكسالى لأنه لم يحفظ القصيدة المقررة: (ما رضاء الله إلا في رضاء الوالدين.. ما جمال الكون إلا بحنان الأبوين).. وبينما هو كذلك وضع الأستاذ صلاح يده على رأس التلميذ.. ثم توقف عن التأنيب فجأة.. وسأله: انت تغسل شعرك؟
قال التلميذ: طبعا استاذ..
قال الاستاذ صلاح: بم تغسله؟
فأجاب التلميذ: بـ (تايد)!!
انفجر الأستاذ صلاح ضاحكا (ضحكة أنيقى تليق بأبناء المدن)..!
وشاركنا في الضحك.. (ضحكة لها رائحة القوايل والرمضاء)!
كان الأستاذ صلاح يضحك مستغربا من ولد يغسل شعره بالتايد وليس بالشامبو
وكنا نضحك لأننا لا نعرف ماهو الشامبو!!
وفي يوم كانت حصة اللغة العربية هي الحصة الثالثة.. كان الأستاذ صلاح منزعجا عصبيا على غير عادته!
لم يتحمل من أحد الطلاب حديثا هامسا مع زميله..
صرخ فينا جميعا.. فصمتنا..
دقائق فإذا به يسقط مغشيا عليه.. هالنا المنظر.. واحترنا.. حتى حضر الأساتذه من الإداره وحملوه خارج الصف..
عندها عرفنا كم كنا نحب الأستاذ صلاح...
 ولم نشعر بالراحة إلا عندما رأيناه يبادلنا التحايا والابتسام في ساحة الفرصة..
كان العام الدراسي يوشك على نهايته.. حيث ذهب عنا الأستاذ صلاح ولم يعد.. وحيث ذهبت إلى بيتنا، فوجدت جرافة البلدية قد ساوته بالأرض.. لأن الدولة قررت أن تنهي مشكلة مدن الصفيح.
ولم يشعر موظفو البلدية.. وهم يجرفون البيت،  أن الطفل هو الذي كان يتهدّم.. !!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق