بقلم: علي المسعودي
قلب يمشي على قدمين . . يجلس على ضفة النيل تمثالاً من ضوء، يعجن أسطورته من اليومي، ولا يتوقف عن الضحك إلا لينكسر. يوزع نفسه في نفوس كثيرة، وينتشر في كل فن ليعثر على الشعر في الوجوه والشوارع والأفكار والضحكات.
في سجن مبني من حجر
في سجن مبني من قلوب السجانين
قضبان بتمنع عنك النور والشجر
زي العبيد مترصصين
عجبي!!
كأنما صلاح جاهين ينمو في كل ظاهرة . . ينمو لينفجر.
طفل يعبث
حكيم يتخلى عن وقاره قليلا
حزن وفرح يندمجان فتختلط ألوانهما بعجائبية وغرائبية.
هو واحد من معالم الشعر.. كما هو واحد من معالم الحب ووردة من ورود النيل الحزين.. التي تبهج بحزنها.. وهو مصر..يدل عليها وتدل عليه.
نايات البعيد وشقاء الأزقة ودفوف الأعياد. سخرية لا تجرح.. وغناء يتطلع إلينا لنعود إليه، لنمسك بطرف الغناء السابق .
العشب طاطا للنسيم ونخ
أخضر طري ما لهش في الحسن أخ
عصفور عبيط أنا . . غاوي بهجة وغُنا
حانزل هنا .. وانشالله يهبرني فخ!
حتى محمود درويش يحتار في الحديث عنه: صلاح جاهين، صلاح جاهين لاأعرف كيف استعيد ذلك الفصل الضائع من عمر جميل جرنا إلى اليقين. ولا أعرف كيف أجد الكلام الجدير باستعادة كلام تحول فينا إلى مصر، ولا أعرف كيف أمشي في وطن تحول إلى شجن، وكيف اتحمل شجناً تحول إلى وطن.
ومصر في مكانها والنيل في مصر . .
ما فينا من مصر هو الذي يشرق ويغرب. هو الذي يقترب ويبتعد. هو الذي ينكسر ويلتئم. ومصر في مكانها وفي تاريخها. وصلاح جاهين هو الذي قال لنا، بطريقة لم يقولها غيره، إن ما فينا من مصر يكفي لنفرح.
فهل استطاع النشيد أن يفرح؟ " عبدالناصر" مشروع الوعد الكبير "عبدالحليم حافظ" ينشط للعمل والموج والصعود "أم كلثوم" تشهر شوقنا للسلاح. وصلاح جاهين يسيّس حناجر المغنين، ويحول العمل إلى ورشة أفراح.
كنا نتأهب، لأول مرة، للدخول في تاريخنا من بوابة الصراع الشامل .. نحن نحلم بالحضور. لذلك استطاع مطلع النشيد أن يفرح..
صاعدون إلى مغامرة الحرية والجمال، صاعدون إلى مدار الشعر، صاعدون إلى ترويض المستحيل.
أنا اللي بالأمر المحال اغتوى
شفت العمر . . نطيت لفوق الهوا
طلته ما طلتوش؟ . . إيه أنا يهمني وليه؟
ما دام بالنشوى قلبي ارتوي..
عجبي!
صلاح جاهين يسير على الطريق ونحن نمشي، في معارك لا تنتهي " يا أهلاً بالمعارك" من دون أن يهمنا القطاف السريع بقدر ما تهمنا نشوة المحاولة في السير. تلك هي لذة الإبداع، وتلك هي متعة التضحية. أما حساب الربح والخسارة فلا يدخل في أقاليم المخاطرة الشعرية:
هل نقطف القمر؟ أم يخطفنا القدر؟ ليس هذا التردد سؤال القصيدة.
المهم هو أن نلتصق بطريق لا بديل عنه سوى هزيمة الروح وهشاشة الدفاع.
إلى محاكمة السير على طريق الحرية بمعايير سلامة الوصول المضمون هو المدخل الفكري، شديد الذكاء والخبث، للتراجع عن الهدف وعن الطريق معاً. تماماً كمحاكمة الشهيد على اندفاعه واقتحامه. أليس هذا ما حدث فيما بعد؟ أليس هذا ما أشاع لغة الاعتذار عن كل نقطة دم حاولت أن تستدرج القمر؟
إن مهمة الطريق هي أن يواصل طريقه دون مقايضة النتيجة بخوف الحساب، وما على الغناء إلا أن يغني:
ثوار . . ولآخر مدى ثوار مطرح ما نمشي يفتح النوار
ننهض في كل صباح بحلم جديد
وطول ما أيد شعب العرب في الأيد
الثورة قايمه . . والكفاح دوار
ثـوار . .
نهزك يا تاريخ . . تنطلق
نحكم عليك يا مستحيل . . تنخلق
نؤمر رحابك يا مدى . . تمتلئ
. . والخطوة منا تسبق المواعيد
ولذلك، فرح النشيد.
ولم نخطئ حين أنشدنا من كل القبور المفتوحة: والله زمان يا سلاحي . .
فهل ابتعد النشيد؟
ليس تماماً يا صلاح جاهين. فقد التوى قليلاً ليأخذ مساره الحاسم.
القمر ليس قريباً إلى هذا الحد، وليس بعيداً إلى هذه الكآبة.
وليس محالاً إلى درجة تعيدنا إلى البئر المهجورة.
إننا نراوح بين أمل بعيد . . وخنجر يوشك أن يطعننا .. إننا نغني فقط .. وبأمل:
لو فيه سلام في الدنيا وطمان وأمن
لو كان ما فيش ولا فقر ولا خوف وجبن
لو يملك الإنسان مصير كل شيء
أنا كنت أجيب للدنيا ميت ألف إبن.
ولكن: لماذا أحب "إحدى الفنانات"؟
.. الإجابة موغلة في البساطة..
أليس هي تلك التي نحلم بشفافها كل ليلة.
ولماذا .. ابتعد عن الشعر وأصبح ممثلاً ورسام كاريكاتير وكاتب قصة ومسرحية؟
الإجابة موغلة في التعقيد: ليقترب من الشعر أكثر.
ولاندري على أيهما نحسد جاهين.. وعلى أيهما نحبه..
على غناء قلبه بالشعر
أم على غنى ريشته بالرسم
علىى شقشقة روحه في النشيد
أم شقاء عقله بالكاريكاتير.. وهو يرسمه بخطوط تشبه وجوه الاطفال السعيدة.. عنما تفاجئها زخات رصاص من سلطة ما!
جاهينيات
***
أنا لوحدي ما فيش حاجة
مجرد أسم متشخبط على ورقة
في إيد واحد مدير .. أصله
قومسيونجي
يقدمها لتركي ولا لخواجه
لا يعرف عربي ولا شفقه
يروح ماضي بقلم باركر بالفرنجي أروح مرفود!
****
القمح مش زي الدهب
القمح زي الفلاحين
عيدان نحيله، جدرها بياكل في طين
***
ح نحارب .. ح نحارب . . كل الناس ح نحارب
مش خايفين .. م الجايين .. بالملايين ح نحارب
ح نحارب . . حتى النصر . . تحيا مصر
***
والسيد عبدالعاطي البيروقراطي
راجل دوغري، فاهم إيه الي عليه
راجل يعرف أمتى ينخنخ ويطاطي
وكمان يعرف امتى يدلدل رجليه.
ييجي المكتب بدري، بمواعيد ظباطي
والساعة اثنين ولا ورقة تكون في إديه
فنان في الشغل وفنه ارستقراطي،
الفن فقط للفن، بتضحكوا ليه؟
لا تقوللي مصالح شعب ولا كلام واطي
الهدف السامي علاوة ثلاثة جنيه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق