الاختلاف يولّد الاختلاف..
فمن الصعب الاتفاق على شاعر مختلف، وجديد..
يترك كل المسلّمات جانباً، ويضرب بالقوانين الافتراضية عرض الحائط.. ليكون طازجاً فيما
يقول.
تناقشه فيما تعتقد أنه خطأ، فتكتشف أنه ناقشه مع نفسه كثيراً وحضّر الإجابة.
والحب لا يأتي إلاّ في وقته المحتمل.
في الظروف الصعبة..
في زنزانة..!!
في رحلة سفر..
في لحظة ضياع..
في يوم مظلم..
لأن الشمس لا تشرق إلا بعد ليل، ولأن الفرج
لا يأتي إلا بعد انتظار..
يداهمك الحب، ليأخذك من كل وقتك..
|(فالعشق هو ديوان العرب).
باكر بقدّم بحث وعندي امتحانين
وأنا أدرسك.. واكتب بوجهك رسالة
لماذا يتواطأ الكتاب المدرسي مع وجه الحبيبة،
فتقلب كل صفحة فيه كي تجد صورتها؟
لماذا تتواطأ الذاكرة مع رائحة الحب، فتنسى
كل معادلات الكيمياء والفيزياء وتخرج على قواعد اللغة العربية.. والفعل الماضي المستمر،
وصوت المدرس وهو يشرح؟!
غداً الامتحان.. والامتحان الآخر.. والبحث!
ولا بد من مراجعة كل ما فات..
والحبيب يراجع درس الحب، يفصّل المحاضرة
جزءاً جزءاً، ليصل قمة الجمال الآخاذ في زواياه:
أنا أراجع حبنا لو تعرفين
أنا اتربع فوق قمّة جماله
ليس الحب هو المفاجأة..
كل الناس تحب، وتعيش الحب.
لكن المفاجأة في تفنن الشاعر وهو يصيغ وجه
الحب، ينحت شكله، شكلها، تفاصيلها، ويشرع في شرح حاله الغريب..
صورة واقعية في خيالاتها.. فالحب يمطر، ويزرع،
ويسأل، فمن يجيب غير قلب الحبيب اللبيب:
الحب يزرع فوق حبري بساتين
ويسألني عنك! من يجاوب سؤاله
يذهلني «ماجد الخالدي» وهو يشرّح الشعر،
ويعطي مفهوماً ابتكارياً للصورة الشعرية..
إبداع يثير الابتسام.. ما هذه الجرأة على
المغامرة؟
كيف هي الشجاعة في اقتحام ألغام التغيير دون الالتفات لهجمات النقد التقليدية:
كل نقطة في الدفتر وراها شجرة تين
وكل فاصلة في بطنها برتقالة..
الحقيقة أن الشعر بحاجة إلى شاعر من نوع
«ماجد».. لا يولي انتباهاً للشكل السائد ولا يعطي أهمية لكل الأذواق التي تبحث عما اعتادت
عليه..
الشعر قبلة مباغتة، أو صفعة مفاجئة..
مطر غزير يبلل شعراً غجرياً لجسد مربك، أو
عاصفة غاضبة يقتلع عاشقاً مرتبكاً..
منذ زمن لم يأت الشعر بشاعر يستخدم مفردات
نافرة وغير متوقعة ومستبعدة من قاموس القصيدة.. فلماذا مثلاً لم يستمر عناد المطيري
في معركة «رصيف الشمس» التي خاضها؟.. ألم يكن يمتلك رغبة الاستمرار في المجابهة؟..
لكن «ماجد».. يقرر ذلك:
على خطوط السقف رش الرياحين
وعلى رصيف الشمس حطّت رحاله..
الذين احتجوا على صورة عناد الشعرية من قبل،
يقدم لهم ماجد فرصة كبيرة للاحتجاج.. حتى يحتارون من أين سيبدأون.. من البرتقال، أم
خام الشعر، أم المرض النفسي، أم الروز والنسرين أم المناهج الزبالة، أم من هنا:
مثل السمك في عمق قلبي تغوصين
يا رب انك تغرقين بمجاله
يا رب انك ما تبدّليني.. آمين
لأن قلبي يرفض أحد بداله
حبل الهوى لفّيه برقبتي تكفين
أهلاً وسهلاً بالهوى وبحباله
خيّطت لك من خام شِعري فساتين
منهو سواك انتي من الناس طاله؟
.. وكنت أعتقد أنني أطلت النقاش مع «ماجد»
وأنا أكتشف معه لذة المناقشة الواعية، وأستوعب التغيير المتحفز في وجهه اللمّاح البريء..
لكني كنت في حاجة أكثر لخوض نقاش طويل مع
قصيدته هذه.. لأصل إلى الجرأة التي تجعله يستخدم مثل هذه الصورة:
تقمّصي غريزة الصخر والطين
اعتزلي اسمك.. لو قدرتي اعتزاله
وكم ابتسمت كلما قرأت هذه النزعة الطفولية
في الحب عند ماجد:
يا رب انك ما تبدّليني.. آمين
لأن قلبي يرفض أحد بداله
والشعر مثل الحب، اقتحام وشجاعة..
تغيير واع.. لشاعر متفجر وصلب.. وفي الوقت
ذاته، حبيب لا يخجل من كشف ضعفه الذي تكمن فيه صلابته:
في الليل بين الناس (كاشير) بنزين
والصبح (طالب).. يرفض يعيش عاله
وقولي حبيبي طفل ضايع ومسكين
اشلون يدرس والمناهج زباله؟!
كثيرون سيختلفون في هذا الشعر، وكثيرون سيترددون
في قبوله.. وكثيرون سيقولون: رهانك خاسر...
لكنه أذهلني.
نشرت في:
اغسطس 2005
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق