الاثنين، 18 يونيو 2012

وجها لوجه: أمين صالح وعلي المسعودي



تم هذا اللقاء عام 1994
ونشرته مجلة العربي الكويتية



وجه لوجه
مجلة (العربي)
أمين صالح و علي المسعودي
(أنا في حالة تنافر دائم مع القارئ أو الناقد السلبي.
نصوصي تحتاج إلى قارئ منفتح على مختلف الأشكال والأساليب.
الفن غير قادر على تغيير الطبيعة البشرية ومنع التناحرات والحروب أو محو المخاوف.
الكتابة ضرب من الصلاة.. ولابد من التضحية.
أرفض أن يفرض القارئ عليّ رغباته)












يشكل الأديب "أمين صالح" ظاهرة لها بصمتها الخاصة والواضحة في الأدب البحريني بشكل خاص، والأدب الخليجي بشكل عام.. بالإضافة إلى حضوره المميز لدى مجتمع الأدب العربي، وبالذات لدى ذوي الاهتمامات الحداثية.. والتجارب المتقدمة في نتاجاتهم.
"أمين صالح" هو مؤلف الفيلم السينمائي الأول والوحيد الذي أنتجته البحرين.. لتبدأ مرحلة جديدة في مجال صناعة الفن، وهو فيلم "الحاجز".. الذي يناقش مشاكل اجتماعية.. نفسية.. يعانيها الجيل الجديد، أهمها الانفصال عن الذات.. وعن الآخرين.
"أمـين" صاحب تجربـة خصبة وجريئة في مجال كتابة القصة والرواية وزمنـها يقارب - حتى الآن - الربع قرن.. حيث ابتدأ بمجموعته القصصية الأولى "هنا الوردة.... هنا نرقص" عام 1973 ثـم "الفراشات" عام 1977.... وبدأ مرحلة أخرى في روايته "أغنية أ. ص الأولى" التي صـدرت عـام 1982. وقـد أجـرى هـذا الحوار على المسعودي وهو قصـاص وصحفي كـويتي نشر مجموعته المشـتركة الأولى بعنوان "مملكـة الشمس" في عام 1990 ثم صدرت مجموعته الثانية ".... جوع" عام 1994.
لا أدري لماذا "يتخـوف" الكتـاب مـن اللقاءات المباشرة، وأنت منهم، هل يخيفك جهاز التسجيل بينما تهادنك الورقة؟.. هل تخونك لغتك، وتهرب إجاباتك التي تريد، لحظة المواجهة، هل اعتدت ألا تحدث قارئك إلا من غرفة مكتبك؟... أشعر بحزن عندما يرفض "أمين صالح" اللقاء المباشر، ويفضل الأسئلة المكتوبة.. "المكتومة"؟!.
- اللقاءات المباشرة تربكني، وتسبب لي توترا وقلقا، أشعر أنني مستباح.
الآخر، هذا الذي يدير اللقاء ويوجه مسار الحديث كيفما يشاء وحسب ما يحلو له، لا يستبيـح أفكاري فحسب، بل مشاعري أيضا. إنه يرصد إيماءاتي، يتابع إشاراتي المتوترة، يحاكم كلماتي التي تخرج من فمي بلا تركيز ولا دقة، يحاصرني بأسئلة قد لا أتوقعها والتي تضاعف حالة الارتباك عندي، ذلك أنه يعتبرني عارفا في كل شيء، وقادراً على الحديث في كـل شأن، في حين أنني أكتب مالا أعرف وأختبر حالات تبدو غامضـة بالنسبة لي. فأنا لا أزعم الحكمة، وليست لدي مواعظ أو نصائح، وثمـة أمور كثيرة في الحيـاة وفي الكتابة أجهلها ولا أصلح أن أتحدث فيهـا.
"أمـين صالـح" مـوجـود في كتاباته فقط، أما خـارج دائرة الكتابة، خارج عالم النـص، فهو فرد مجهول، متوار، لا يثق كثيرا بنفسـه، ومشحـون بالقلق والخوف دائما.
في اللقـاءات أشعـر كـذلك أنني أمام شخص يستجوبني باستـمرار، يمتـحن أفكـاري وقدراتي في التعبير الشـفوي... وهذا مالا أجيده مطلقاً. أمام جهـاز التسـجيل أفتقر إلى التركـيز وإلى تنظيـم الأفـكار.
ربما أجيب عن السؤال بطريقة قد تتعارض مع ما كنت أرغب في قوله.
لهـذا السـبب أحاول تجنـب اللقـاءات المباشرة... إنها تخيفني.
أمام الـورقة أجـد حرية أكبر في التعبير، في قول أفكـاري ومشاعري بصياغتي الخاصة، بلغتي التي أعرفها. أكون أكثر تركيزا وتنظيما وصدقا. أكون واثقا أكثر.
مخطئ من يقول إن اللقاء المباشر يتسـم عادة بالعفوية والبساطة. يمكن أن أكون مضللا ومراوغا في إجاباتي المباشرة.
الأسئلة المكتوبة تتيح لي التأمل، تخلق لدي حالة من الاطمئنان والراحة، بوسعي أن أرفـض الإجابـة أو أن أجيب بحرية وبإسهاب، لدي هنا أكثر من خيار.. الأسئلة المكتوبة هي أكثر ديمقراطية.
أمام جهـاز التسجيل أفتقد التـأمل والاطمئنان والحرية، أكون خاضعا- لمدة ساعة أو أكثر- لاستجواب قاس لا فكـاك منه، فيه كـل شيء يفضحـك ويخونـك، إنها تجربة لا أحـب الخوض فيها المرة تلو الأخرى، وفي كل مرة تكون النتيجة كارثة شخصية.
الأجيال.. والواقع المتغير
عدد من الكتاب في الكـويت، تحدثت معهم حول نتاجاتك الأخيرة، بالذات "ترنيمة للحجرة الكونية"... قالوا: "أننا لا نحب أمين صالح بطريقته هذه فهي مجدبة، وغير مجدية منفصلة عن كل شيء، لغة جميلة فقط، وهو يسعى لعزل نفسه". هذا سؤال؟
لا يدهشني هذا.
أعرف أن قلـة تحب أو تتذوق أو تستوعب ما أكتبه الآن. لكنى أعرف أيضاً أن الأشيـاء (ومن ضمنها الذائقة والقبـول والاعتراف والتفاعل) ليست ثابتة بل هي في حالة تغير مستمر. ما يكـون مبهما وملتبساً الآن سوف يصبح مفهوماً ومقبولاً غدا، الأمثلة والشـواهد عديدة في مجالي الفن والأدب، ليس هذا جديداً.
كتاباتـي الأولى كانت مرفوضة لأنها اعتبرت غامضة أو منفصلة عن الواقع اليـومي والثقافي، فيما بعد صارت مقبولة وداخلة في النسيج الكتابي السائد. الآن يطالبونني بالعودة إلى ذاك الأسلوب وتلك الطريقة واللغة والكتابة. إنها ليست مسألة أجيال بل مسألة واقع متغير، ذهنية متحولة، وعي متبدل، قارئ قابل للتطور والانفتاح بشكل قد لا يتوقعه أو يستوعبه الكثير من كتابنا الذين يؤمنون بالثبات والمكوث في المواقع الآمنة، والذين يعطون لأنفسهم الحق في تقرير ما هو صالح ومفيد لقارئنا ولواقعنا.
ليست لدي ادعاءات وأوهام بشأن القارئ وبشأن الكتابة.
إن ما يهمني حقا هو أن أكون صادقا مع نفسي، وأن أكون مؤمنا بأدواتي التعبيرية، وأن أعبر عن رؤيتي بالأدوات والوسائل والأشكال المناسبة لي، وليس باستعارة أو محاكاة طرائق قد لا أنسجم معها، إنما أضطر إلى استخدامهـا كي أكون مقبولا فحسب.
لم أكن يوما متكيفا مع القارئ أو الناقد السلبي، كنت دائما في حالة تنافر وتعارض معهـما، خاصة عندما أشعر بأن علي تقديم تنازلات وتسويات تكفي لأن يعترف بي هذا القارئ أو الناقد.
نصوصي الأخيرة، مثلها مثل أية كتابة أخرى، مطروحة لتخلق ردود فعل خاصة، انفعالاً معينا. والذى قال بأنها مجدبة وغير مجدية تفاعل معها- حتما - بشكل سلبي، هذا شأنه، ولا دفاع لدي.
مع ذلك أستطيع أن أقول بأنها لم تقرأ دون تعصب أو انحياز.
أحيانا يجد المرء صعوبة في التوافق مع الأشكال تختلف عن الأشكال التي اعتاد عليها أو تآلف معها، مما يؤدي إلى رفضه للعمل واستنكاره له. إنه يريد نصوصا تنسجم مع ذائقته وذهنيته ومع مفاهيمه.
بالتالي هو ينحاز- إلى حد التعصب- إلى الكتابة التي يعرفها متجاهلا ومهملا تلك التي تبدو غريبة عليه.
نصوصي تحتاج إلى قارئ منفتح على مختلف الأشكال والأساليب مرن ومتفاعل، وتقييمه نابع من هذا الانفتاح.
بمعنى أن يستجيب إلى داخل النص وليس خارجه، جوهره وليس سطحه.
عندئذ سوف تختفي الأحكام المطلقة والتقييمات اللامسئولة كما في الإعلان عن جدب ولا جدوى كتابة ما، أو في القول بأن هذه الكتابة منفصلة عن كل شيء.. ماذا يعني هذا القول؟
إنه لا يعني شيئاً.
كيف تكون الكتابة منفصلة.. عن من، وعن ماذا؟ وهل بإمكان كاتب ما أن يعزل نفسه عن محيطه وعن الآخرين؟
هذا غير ممكن.
الكاتب، في يومنا هذا، واقع في الشرك أكثر من أي وقت مضى، إنه غائص في الالتباس واللايقين، في العتمة، لا يعرف مخرجاً ولا ملاذا.
الكتابة الجديدة تعبر بالضبط عن هذه الحالة، إنها تتكلم عن إنسان يتحول في السديم، مغلفاً بالشك، ويحيط به الغموض من كل جانب. إنه يبحث عن شيء لن يجده أبدا... الخلاص.
هل يزعجك الرأي السابق؟.
- ربما يزعجني قليلا، لكنني - كما قلت- لا يدهشني. لقد اعتدت على ذلك، وصارت لدي حصانة تتيح لي أن أستمر دون يأس، إنه رأي أختلف معه وأحترمه. يكفي أن صاحبه قد حاول قراءتي، وهذا أعتبره مكسباً في وقت تضيق فيه دائرة القراءة.
الآراء ليست ثابتة ونهائية، ربما بعد عام أو أكثر سوف يعاد النظر في هذا الرأي ويصبح إيجابيا... من يدري؟
وهم الجماهيرية
في جلستنا السابقة قلت لي إن "نتاجاتنا تذهب إلى الإهداءات، وبالذات مجلة كلمات".. إذن أين الجماهيرية التي كان يجب أن يصنعها أدبكم؟.
- بشكل عام ليست للأدب جماهيرية، ليس هنا فقط بل حتى في أوربا وأمريكا.
حتى الذي يقرأ نزار قباني أو نجيب محفوظ (بعد فوزه بنوبل) هو جمهور خاص ومحدود.
مساحة القراءة محدودة وضيقة. ثمة عوامل عديدة (اجتماعية واقتصادية وثقافية) تساهم في تضييق المساحة ولا دخل فيها للكاتب أو للمؤسسات الثقافية، رغم أنه يحلو للكثيرين من خصوم الكتابة الجديدة - تحديدا - اتهامها بأنها سبب القطيعة أو الفجوة بين الكتاب والقارئ.
هذا كلام غير دقيق. إذا تأملنا تاريخ الأدب العالمي كله للاحظنا بأن الدائرة كانت ضيقة دوما قياسا إلى الكثافة السكانية، ربما تتسع قليلا ونسبياً لتستقبل الكتابة الاستهلاكية التي تلبي شروطا خاصة عند القارئ، لكنها- مع ذلك- تظل في حدود الواقع وليس الطموح. منذ العدد الأول لم نشأ لـ "كلمات" أن تكون إصداراً استهلاكيا، ولم نكن ممسوسين بوهم "الجماهيرية". كنا ندرك حجم وطبيعة هذا القارئ الذي نتوجه إليه.
هذا لم يكن محبطاً لنا، بل كان يشكل حصانة لنا ضد الانحراف نحو ما هو استهلاكي.
صعوبات التسويق والتوزيع جعلتنا نلجأ إلى توصيل نتاجاتنا عبر الإهداءات الخاصة.
نحن لا نملك سوقاً، وحتى على الصعيد المحلي نجد قلة راغبة في اقتناء كتبنا. هل نتوقف أم نستمر؟ اخترنا أن نستمر لأننا نؤمن بأن الكتابة حاجة ذاتية، حاجة روحية. الكتابة ضرب من الصلاة (قالها كافكا) والصلاة تستدعي الإيمان. الكتابة علاقة خاصة بين الذات والعالم. هذا ما يهم. وفي سبيل ذلك لابد من التضحية.
وجهة نظر
دائما تهاجم القارئ الذي يهاجمك، تقول ما معناه أنك "لست ملزماً بالأخذ بيده، وفتح الأبواب أمامه، وإعانته إلى التجوال في غرف الكتابة، عليه هو أن يكتشف الأسرار، ويتجول كيفما شاء".. من الذي لا يفهم الآخر هنا، أنت أم القارئ من هو الملزم بالقيادة وإنارة الطريق... وهل على الكاتب أن يضيء الشموع، أم يصنعها وعلى من يريد أن يتلمسها؟
بمعنى آخر: هل مهمة الكاتب أن يطرح ألغازاً، أم حلولاً؟.
- ليست العلاقة بهذه الدرجة المفترضة من العدائية والهجومية. علاقتي بالقارئ، قارئ أعمالي بالتحديد، قائمة على الاحترام والصداقة... من جانبي، ذلك لأنني لا أعرف كيف هو ينظر إلي وكيف يقرؤني. من جانب آخر ينبغي التفريق أو التمييز بين القارئ العام والقارئ الخاص.
القارئ العام يحاذيني، إذا وجد في نصوصي ما يثير انتباهه ويتوافق مع مفاهيمه وقناعاته فإنه يتريث قليلاً ويطالعني بشيء من الاهتمام، وإذا لم يجد فإنه يتجاهلني ويتجاوزني، ذاهبا إلى كتابة أخرى. هذا من حقه، لكن ليس من حقه أن يفرض علي وجهة نظره أو يطالبني بالامتثال لرغباته وأهوائه. عندما يأتي طالبا مني أن أشرح وأوضح وأفسر، أو أن يملي علي شروطه، فإنني أرفض ذلك بحزم، ذلك لأنني لست بحاجة إلى تملقه، ولا أريد أن أخضع لمفاهيمه التي لا تنسجم مع مفاهيمي.
باختصار، كلانا لا يشعر بالحاجة إلى الآخر، فلماذا نضيع وقتنا، في حين تتوفر كتابات لا تحصى قادرة أو راغبة في تلبية ما يريد.
القارئ الخاص يختلف. إنه أكثر إيجابية ومرونة، أكثر تفهما وحساسية، إنه لا يعبر أمامك بل يأتي إليك مباشرة قاصدا التعرف والتحاور والتفاعل والمشاركة، إنه ليس كثير المطالب، ولا يمارس إرهاباً ضدك. إنك تتعامل معه ككائن أكثر ذكاء ومعرفة منك، تطرح أمامه تجربتك تاركاً له حرية الاستجابة والتفاعل. من الصور التي تقدمهـا، من الحالات والعلاقات والايقاعات، يبتكر هو صوره الخاصة، ويبدع نصه الخاص.
يأسنا وعجزنا وسذاجتنا.. كل هذا يدفع بنا إلى البحث عن قائد، أب، موجه، دليل... يضيء دربنا ويوجه مسارنا ويزودنا بالحلول. كم هو بائس وضعنا.
بعد آلاف السنين من نشوء الفن، بمختلف أشكاله، وإعلانه الصريح والمرير بأن الفن غير قادر على تغيير الطبيعة البشرية، أو منع التناحرات والحروب، وكل مظاهر الاستغلال والظلم، أو محو المخاوف، نأتي من جديد، وفي كل مرة، لنطالب الفن والكتابة بفعل ما تعجز عنه كل الطاقات السياسية والعلمية والفلسفية والاجتماعية.
حتى الفيلم السينمائي الذي كتبته كان اسمه "الحاجز".. هل تشعر أنت بما يطرحه الفيلم.. بذلك الحاجز بينك وبين مجتمع القراء.. أتمنى ألا تقول "لا"؟.
- الحاجز في الفيلم لا يعبر عن موقفي تجاه القراء (مرة أخرى ينبغي التفريق أو التمييز بين القارئ العام والقارئ الخاص).. الحاجز هناك - في الفيلم - يتمثل في صعوبة الاتصال بين الأفراد. لو شعرت حقاً بأن هناك حاجزا بيني وبين قارئي، وبأن الكتابة لا تعبر عن حاجة ذاتية للاتصال بالآخر لتوقفت عن الكتابة منذ زمن طويل.
صناعة سينمائية
هل آن للفن البحريني السينمائي والتلفزيوني، أن ينطلق، بعد عدد من النتاجات "المفاجآت"؟
- نتمنى أن ينطلق، لكن النوايا والأمنيات لا تكفي، أو بالأحرى، لا تخلق فناً. مع ذلك، لا ينبغي أن نيأس.
كتاب في غاية الألق، وممثلون مبدعون بقياس نسبي، ماذا إذن ينقص "البحرين" كي توفر صناعة سينمائية، وتلفزيونية؟.
- الإنتاج التلفزيوني عندنا متقطع، يسير ببطء، لكن ثمة أعمالاً مهمة استطاعت أن تخلق علاقة، وتحقق التواصل بين الفنان البحريني وجمهوره... ليس التواصل المنشود، لكنه يتشكل عبر الاستمرارية والمتابعة. إذا اهتم التلفزيون أكثر بالدراما المحلية فأعتقد بأننا سنشهد موجة من الأعمال الجيدة.
وضع السينما يختلف. لدينا تجربة وحيدة في السينما. والتجارب لا يمكن أن تبرز بدون دعم وتمويل.
نحن لا نطمح إلى تأسيس صناعة سينمائية نظراً لفقر الامكانات المادية، لكننا نطمح إلى أن تتاح لنا الفرصة، والميزانية الكافية، لتجسيد مشاريعنا.
عوالم جديدة

تبدو متميزاً في قراءاتك السينمائية، أود لو تحدثني عما يمتعك في كتابة من هذا النوع،.. كما أنني أشعر بقدرتك على كتابة سينمائية تقترب من سينما "يوسف شاهين".. هل "شعوري" في غير محله، أم أنني لا أقول جديداً؟.
- في طفولتي، كنت مثل أقراني أعشق السينما، كان العالم الآخر، الحلمي، المدهش، الخارق، الذي ندخله بمجرد أن نقطع التذكرة. وإذا كان لدى الغير القدرة على مغادرة هذا العالم والانفصال عنه وقتما يشاء، فأظن بأنني لم أستطع، أو بالأحرى، لم أشأ أن أغادر هذا العالم، كنت وما أزال، مهووسا بمشاهدة الأفلام، والعشق دفعني إلى قراءة كل ما يتصل بالسينما. اكتشفت عوالم جديدة، مختلفة، وغريبة.
حاولت أن أكون صانعا لا متفرجاً فحسب، قمت بمحاولة فاشلة لدراسة الإخراج السينمائي في فرنسا. الامكانات المادية لم تسمح لي، عدت خائبا، قلت لنفسي، سأدخل من باب آخر كتبت الدراما التلفزيونية، وبعد سنوات، وعندما أتيحت لنا فرصة إنتاج فيلم سينمائي طويل، كلفت بكتابة السيناريو له. يوسف شاهين لم يكن يشكل سوى جزء ضئيل من هذا العالم الشاسع، والذي فيه كل شيء، وكل اسم يمارس تأثيره القوي علي.
عمل روائي
أين "أمين" كاتب "الفراشات".. و"الصيد الملكي"... هل اكتفى بتجربة روائية يتيمة؟!.
- هو هناك، في بقعة بعيدة من الماضي.. ماضي الحياة وماضي التجربة.. والعودة إلى تلك البقعة مستحيلة. إنها مرحلة أولى في مساري الأدبي.
الآن أنا أكثر نضجاً، أكثر وعيا بأدواتي الفنية. أعرف أن البعض تستهويه "الفراشات" أكثر من "ندماء المرفأ" أو"ترنيمة للحجرة الكونية".. لكن هذا شأن خاص بهم، لا يجعلني أتأثر أو أنصاع لهوى من هذا النوع. مستقبلا ربما أكتب شيئاً مختلفاً عن الندماء وعن الترنيمة، ما يهم هنا هو الخروج من دائرة ما أكتب واستشراف أفق جديد.
هذا ما أسعى إليه. قد أخفق لكنني أحاول.. وحسبي أن أحاول كي يكون للكتابة معنى بالنسبة لي.
أما عن الرواية، فلا أدري، ربما أكتب رواية بعد أشهر لا شيء يحول دون ذلك.
وجه لوجه - مجلة (العربي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق