السبت، 23 يونيو 2012

أهل الثياب القصيرة



- 1 -
صوتان من الزمن الجميل...
الزمن الذي كان للشعر فيه نصيب الروح.
فهد دوحان.. بهجة الحضور، وجدية الطرح، وحزن الأمل... (بافتراض أن للأمل حزناً خاصاً).
وعارف سرور.. الشاعر الذي نحتاجه كلما شعرنا بغياب الشعر، حسبما جاء في تقديم قصيدته.
قصيدتان.. كما لو أنهما احتفالاً بهياً كان على وشك الانطلاق...
- 2 -
وبما أننا «شعوب بو هبّة» حسب التعبير الدارج، كان لابد من أن يأخذ الشعر شكل السياط، ليجلد «فهد دوحان» الكائن المشوّه أمامه...
أمةٍ تشرب من سنين القهر
احتلال، وانحلال، واحتقار!!

يجلحل صدر «فهد» كما هي ليست عادته، وهو يمارس شيئاً من غضبه على الفعل المسيء تجاه رسولنا الكريم
...
ويحسن أن أبدأ القصيدة من آخرها.. من الهامش تحديداً، من الاقتباس الذي استخدمه فهد دوحان كمدخل من الباب الخلفي للمعنى.. ذلك قول الشافعي: «من استغضب ولم يغضب فهو حمار»!!
شكراً يا فهد على هذا المدح لشعوب تستمتع بلعق الدم، تقوم كأن القيامة قامت، ثم تربض وكأن شيئاً لم يكن.. لأن المعادلة واضحة، والعزيمة فقط هي التي تحدد كفة الميزان لمن تميل... باختصار شديد، ومقنع، ومضحك:
كل مسلم لو رمى بيده حجر
صارت ديار الكفر هذي دمار
وقد حدث ذلك بالفعل، لكن الأحجار كانت ترمي أصحابها، والغضب يرتد على أهله، والسيارات المحترقة كانت للمسلمين.. وسكان ديار المسلمين، وكان الغرب يتفرج... وهو يتجّفر ضحكاً... على «أمة ضحكت من جهلها الأمم» كما وصفها المتنبي قبل ألف عام.. ومازال الوصف يليق بها!
ألف عام.. والأمم تضحك.. ونحن نبكي البكاء المسمى «شر البلية ما يضحك».
تغضب الهندوس من أجل البقر
وأنتم لأجل النبي محّد يغار!!
هل كان الارتجاف يسري من صدر «فهد» إلى قلمه.. أم هو سيل الدموع المنسكب بينما الوجه الطاهر يتلامح من حضوره الذي لا يغيب، وهو يصبح مادة لهم... من هم؟ يخاطبهم فهد في مطلع قصيدته:
يالكلاب اللي تعض وتعتذر
الغضب باقي ولو صار اعتذار
كل عظمٍ ينكسر لو ينجبر
يصبح أكثر عرضةٍ للانكسار
كان هذا ما تسمونه فكر
الشذوذ بكل شكلٍ واقتدار...
أجزم أن المشاعر كانت تطغى على صناعة الشعر لدى فهد، فهو يلعب بموهبة قديمة وأصيلة.
أقصد أنه يلعب بالمعنى الإيجابي، فاستعجال الكتابة كان متكئاً على التمكن بالخبرة، وهو يحصر كل الأفكار في قصيدة واحدة.. أكثر ما يميزها القافية الصلبة التي تعتمد دوماً على الغضب والتهديد... باعتبار أن حرف «الراء» هو مكمن الغضب حتى في كلام العزيز الجليل... «والساعة أدهى وأمرّ»...
«إن شانئك هو الأبتر»...
هذا شيء من جماليات فهد دوحان التي لا تنتهي، وإحساساته الغزيرة، وجاذبيته المغردة في قلبه... قلبه الكبير الذي يفكر بالمجموع أكثر مما يفكر بالفرد... وبالرمز الشريف:
النقي الطاهر اللي ما أمر
في قطيعة رحم أو إيذاء جار
أطهر من الما على وجه الزهر
وأصدق من الشمس في كبد النهار
وأكرم من الغيم حمّال المطر
وأرحم إنسانٍ على هالأرض سار
- 3 -
كأن «عارف سرور» كان يسمع فهد... وهو يرتدي تلك العباءة المكللة بالحزن، فيستقبله بهذا النشيد الأقرب إلى النشيج، عبر مدخل ناعم، شفاف، وهو يتخذ من د. «عبدالرحمن السديس» رمزاً اعتبارياً للفكرة:
صوت السديس وهو يؤم المصلين
غيمة تبلّ بطهرها كل ديرة...
هذا الصوت المنطلق من أشرف بقعة ليعم الأرض... الصوت الجميل الجليل.. المترامي في حضوره ونبوغه، وانصهاره الشديد في الأرواح...
هذا المطر الذي يسقي الديار.. هو فرد من مجموع، بهم تكون البركة:
يالله لا تقطع ديرتي من هل الدين
الملتحين أهل اثياب القصيرة...
هم الذين كانوا لدى «المرضى» مادة التندر.. هم الندرة التي تتبارك بوجودها الكثرة.. وهي القصيدة - القضية... القصيدة - القصيّة.. القصيدة - الشفافية... المعتمدة على أوصاف متتالية: راكعون، ساجدون، ملبون، صائمون، طاهرون، طيبون، صادقون، ودودون، غيورون، تقيون، حشيمون... أولئك المزدحمون في أبيات «عارف» العارف بأن أهل الجهل يتبعون بعضهم ليتركوا طريق المجد لمن يستحقه:
ما تابعوا أهل الطرب والمغنين
دايم لهم في طاري الخير سيره...
«الصدق» في الإحساس كان أجمل من التراكيب اللغوية، الابتهال كان أعلى صوت من التجربة، فعارف لم يعترف بالتجربة الشعرية الطويلة خارج دائرة إحساسه بقضية يطرحها، ألم يشعر به، رأي ينصره...
وقد سئل علي بن أبي طالب ] عن المسافة بين الأرض والسماء.. فأجاب: «دعوة مستجابة»:
يالله عسى تعدادهم بالملايين
وجموعهم يا رب دايم غفيرة!
- 4 -
عارف... وفهد...
كلاهما رونق خاص، بهاء عام... للشعر، للحياة، للمودة...
لصحبة أساسها متين...
سلام لقلبيهما... تحمله الحروف... علها تجيد إبلاغ الحنين.. إلى أهله...

ابريل 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق