الخميس، 1 مارس 2012

… رحلته الأخيرة



اسمه (عادل الشيوي)….عرفته في جريدة الوطن الكويتية مخرجا لصفحاتها مع عدد من المخرجين الآخرين… لكني عندما اقرأ الجريدة وأقلب صفحاتها اعرف تماما تلك الصفحات التي وضع فيها لمساته
فخطه الفني في الاخراج واضح ومميز… لايشبه أي مخرج آخر
ثم عملنا معا في احدى المجلات التي أدرتها…
عندما حضر نقل مجلتنا نقلة فنية نوعيه اصبحت من خلالها تحمل طابعا مميزا وشكلا فريدا بين المجلات الاخرى
كنت اجلس معه طويلا نرسم المواضيع معا. اقترح عليه بعض الاشكال ويقترح علي بعض العناوين… ثم نتكلم في شؤون الحياة
هو رجل نحيل طويل القامة أشيب الشارب سيجارته لاتفارق اصبعه وله – بسببها- ضحكة محشرجة,
اما الابتسامه فلا تفارقة ابدا, طرافته،  سرعة بديهته .. يبررها أنه (شرب من مية النيل)
جاء الى الكويت في السبعينيات تقريبا يحلم - مثل غيره - بالعودة الى مصر لشراء (شقة وعربية زي الساروخ) ومشروع تجاري صغير يؤمن حياته.
كان يعتقد ان ذلك سيستغرق سنتن او ثلاث او خمس على اكثر تقدير... لكنه مثل غيره من المغتربين.. ومثل غيره من بني البشر... طالت به السنون وكثرت امامه الطموحات.
اشترى الشقة... لكنها تحتاج إلى أثاث
واشترى (عربية) لكنه يحتاج إلى أخرى للمدام
ثم انه مثل غيره من الذاهبين عن اوطانهم... لايستطعون التخلي عن حلم العوده لكنهم لن يعودوا... لأنهم سيعودون الى وطن لايعرفهم ولايعرفونه.. تغيرت فيه الشوارع وكبر فيه الناس..
وهاهو قد كون في الكويت اصحابا وتأقلم في عمله واصبح مشهودا له بالكفاءة
في كل سنتين او ثلاث يتمتع باجازته في القاهرة يحمل معه كمية من الالكترونيات والكهربائيات... والهدايا لبعض الاقارب وبعض المعارف الذين مازالوا يذكرونه
حلم (عادل) الكبير والمؤلم.. كان: (الخلفه)... أن يرزق بأولاد
ذهب وامرأته إلى اكثر من  عيادة ومشفى واستشاري لكن الاطباء لايستطيعون تغيير قدر الله
وعندما رأى ان العمر قد مرَ سريعا وطاف الأجل... ألغى الحلم من أجندة حياته واكتفى بحضور زوجته الوفيه معه ومضت به الحياة يوما بعد يوم
حتى أحس أن العمر يمر دون متعة فسأل نفسه لمن أجمع المال؟ فلا ولد لي... ومالدي يكفيني وزيادة
وقد طال أمده في الغربه ولابد ان يعود إلى وطنه ... لكنه كالعادة وجد ان العودة الى الوطن هي رحلة ثانية الى الغربة.. فاتفق مع زوجته على رحلة الى عدة دول أوربية يحلمون بزيارتها منذ زمن طويل... كفاية شغل وتعب... فهذا الكد الطويل لم تتخلله متعه... وكم سمعنا عن بلدان لم نرها رأي العين.. فلم لانذهب إليها؟؟
اتفقا أن تبدأ رحلتهما من القاهرة مكانا وفي اجازة الصيف زمانا.
وكان ذلك.. رحلا الى القاهرة... ومن هناك حملهما المركب فوق ماء النيل لتبدأ رحلة اسطورية بعيدة عن هموم العمل وجمع المال مليئة بالمرح والفرح... وهما يتهامسان: هذه الرحلة سنعتبرها بمثابة شهر عسل متأخر قليلا..
تحرك المركب فوق صفحات ماء النيل الجميل
وبعد نصف ساعة من الرحلة... التفتت الزوجة الى وجه عادل ... فاذا به جامدا باردا... فارق الحياة..
....
عاد به المركب.. منتهيا بحياة انتهت في الوقت الذي بدأت فيه
وعادت معه الزوجه مغمضة القلب تسأل:
هل تأخر فرحنا بالحياة
هل كان نهر النيل لايرضى ان نفارقه بلا ثمن
هل الغربة لاتنتهي الا بارادة عليا
والى أي وطن –الآن_ اذهب؟؟؟

....


بعبارة أخرى :
ماذا يفعل من ملّ من وطنه
أين يروح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق