الخميس، 2 فبراير 2012

من قال إن الغناء حرام؟


 علي المسعودي

عندما بلغت سن الثلاثين قررت أن أغيّر أذني..
كانت أذني موسيقية إلى درجة مذهلة..
لسبب بسيط هو أنني نشأت على صوت “فيروز”.. ذلك الصوت الساحر الشفاف الذي يأخذك في الأقاصي والأعالي والأماني والعبرات..
في السبعينات.. وفي السابعة صباحا أو قبلها بقليل كان والدنا ينهض ويترك الراديو على موجة إذاعة الكويت… يكون أبي قد فرغ من الفطور ومن سماع الأخبار..
في تلك الأثناء يكون صوت فيروز قد بدأ يصدح.. وكنت أسبح في فضائها دون أن أعرف من هي صاحبة الصوت الشجي.. وغالبا لا أعرف ماذا تقول، فكيف يمكن لمن عاش في محيط بدوي أن يفرز “عجأة” اللهجة اللبنانية.. !
وإلى وقت قريب كنت أستعين بالأصدقاء اللبنانيين لترجمة بعض كلماتها.. وأذكر كم تعب أحد الزملاء وهو يشرح لي معنى: “ملّا إنتا”!
وعندما “عرفت العلم” سمعت “سيرة الحب” عشرات المرات وأكثر.. وكل أغنيات “ثومة”
وسمعت عبدالحليم.. وطوقه لـ”ميرفت” المشغول من النجوم
وسمعت براقع “ابونورة” وكل ما أنجزه من حجازي وعدني ونجدي
وسمعت “نجاة”.. وانغمست في“أيظن”
وسمعت نوال والرويشد.. و سيد درويش والشيخ إمام وناظم الغزالي وحظيري ابوعزيز وسلامة العبدالله وعبدالله الصريخ.. وعايشة المرطة وعبدالله فضالة.. وأيضا التركي ابراهيم تاتلوس، ويوخين رودريغو.. وأسماء من الشرق والغرب والشمال والجنوب.. أسماء معروفة، وأسماء ماأنزل الله بها من سلطان، فهذا المجال “يلمّ”!
حتى بدأ يدخل الغث..
قبل 11 سنة أو أكثر… كنت أسير في طريق الفحيحيل السريع عندما خففت من سرعتي واتجهت الى الحارة اليمنى… ثم حذفت من الشباك شريط نوال الزغبي، وكان ذلك آخر شريط غنائي سمعته، 
قررت عندها أن أنظف أذني…
وبعدها بأيام.. جمعت كل الأشرطة المتناثرة في أدراج سيارتي وتحت الكشن، وفي زوايا الباب وفي الدبة… جمعتها في شنطة.. فرزت منها بعض ذكرياتي الجميلة.. وحذفت الباقي في أقرب حاوية!
مع السلامة يا حبايبي
لقد قررت أن أغيّر أذني!!
ومن مجمل الأسباب التي دعتني لذلك:
1- أنني مللت من حالة الكآبة التي تثيرها في نفسي تلك الأغاني.. فكلها بشكل أو بآخر تحكي عن وجع الحب، وألم الفراق، ولوعة الشوق وعذاب الهجر.. ودموع اللقاء، وغربة الفراق، ومرارة الذكريات.. وولع انتظار الغد، إنها كلها بلا استثناء حزينة وكئيبة، كلها بلا استثناء.. (ويقف على هرمها ملك ملوك الكآبة والاحباط عبادي، وسيد السخف فريد الأطرش)!
2- كنت شاهد عيان وبيان على المطرب الكويتي المشهور (عبدالله..) الذي كان يستعد لحفلة في الدوحة لكنه أصيب بحالة نفسية غريبة طلب على أثرها من أحد المشايخ الذين تخصصوا في الرقيا أن يرقيه، فسأل ذلك الشيخ أهل العلم عن جواز أن يقرأ على مطرب ليحيي حفله غنائية، فأجازوا له ذلك.. من باب أنه قد يتأثر من القرآن المتلو في الرقيا ويهديه الله.. (يمكن سؤال الشيخ ابومحمد العجمي عنه).
وكنت أستغرب من لجوء الفنان للرقيا، أليس هو الذي يقول دوما أن في الموسيقى علاج نفسي وتوفر الاسترخاء وتنفي التوتر، لماذا لم تعالجه موسيقاه؟
3- كنت قريبا جدا من مسيرة حياة الفنانة الكويتية السابقة (ش) التي ملأت الدنيا بتصرفاتها الغريبة حتى هداها الله واعتزلت واحتشمت.. وتخلصت من كل أموالها التي حصدتها من الحفلات الفنية, وعندما سألوها بعد ذلك عن سبب اعتزالها، قالت أنها بدأت قرارها عندما طرقت اذنها عبارة من أحد جمهور حفلاتها وهي تهم بالمغادرة إذ قال لها: “يا بريد الزنا”!!
4- سلوك كثير من الفنانين الذي يتسم بالانفلات التام والعقد والأمراض النفسية.. وأشياء أخرى عرفتها ورايتها “تهوّل القلب”… الله يستر علينا
5- زمن المراهقة الفكرية ولّى
6- سمعت وتشبعت بما فيه الكفاية..
7- في أيام الأحكام العرفية في الكويت طلب مني رجل الأمن في نقطة التفتيش أن أفتح دبة السيارة كإجراء روتيني… وعندما فتحتها كان فيها شنطة، قال لي افتحها..
يا خجلي! كانت مليئة بالأشرطة!
7- صرت أستحي من دخول محل تسجيلات تنطلق منه أصوات غنائية واطية جدا تملأ السوق!
8- صرفت بما فيه الكفاية ربما مئات أو آلاف يذهب جزء منها دعما للمطربين والمطربين والراقصين والراقصين ، والجزء الباقي يطب في كرش “البرنس” صاحب القناة “”
9- قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: “لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ٍ عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ”.
10- هناك بدائل أفضل بكثير…
***
… اشتريت ختمة بصوت العفاسي، وسلسلة الأخلاق لعمرو خالد، وختمة بصوت السديس، وشريط ديوان المتنبي الذي أصدره المجمع الثقافي، وشريط بندر بن سرور، ومحمد العوني، وكثير من الكتب المسموعة التي اصدرها المجمع الثقافي مثل، رياض الصالحين، ومقدمة ابن خلدون، والانسان ذلك المجهول.. وكثير من محاضرات صديقي “أبوزقم”.. وإصدارات تحكي تاريخ الأندلس
ملأت سيارتي ومكتبتي بأشرطة تتهافت أمام محتواها نتاجات “ثومة” وتلاميذها!
…..
لكني كنتأحاكم نفسي:
عيب عليك أنت المثقف الكاتب الاعلامي.. تحاول أنت تشوه الغناء..!
أين كتاباتك عن جمال الأغنيات وروعة الكلمات وشفافية الأصوات؟
لم يبق الا تقول معهم أن الغناء حرام.. وأن لهو الحديث المقصود به هو الغناء!
هل أصبحت "رجعيا" إلى هذه الدرجة..؟
….
لكني أعود وأسأل:
- لماذا عندما نسمع الأذان نطفئ الأغنية.. هل أصوات المطربين تتعارض مع صوت النداء للصلاة؟
- لماذا في نهار رمضان لا نسمع أغنيات.. أليس الأغاني تزيد الجمال.. هل الصوم ضد الجمال؟
- لماذا لا تحيي المطربة حفلتها إلا ترتدي ملابس براقة قد تظهر نحرها وجزء من صدرها وظهرها.. هل للعري علاقة بالطرب؟
- لماذا نقرا في الصفحات الأخيرة دوما أخبار فضائح المطربين.. هل للغناء علاقة بالتحلل؟
- لماذا المطربة تبدأ تنزع براءتها شيئا فشيئا ومع كل شريط جديد تزيد “الجرأة”.. هل للغناء علاقة بالتفسخ والانحلال؟
- لو جمعت لك مثلا أسماء.. الشافعي مع ابوحنيفة والغزالي وابن عثيمين وصالح الفوزان، ثم محمد عبده وشعبان عبدالرحيم وعبدالكريم عبدالقادر وهيفاء وهبي، وطلبت منك أن تكوّن لي منها مجموعتين..
على أي اساس ستتفرز المجموعة؟ 
هل يجتمع أهل الغناء مع علماء الشريعة؟
- لو تصدقت على مسكين بدينار ثم ذهبت الى محل من محلات قناة "مش هتقدر تغمض عينيك" واشتريت آخر شريط لأليسا أو أي مغنية
ما الدينار الذي تظن أن يبقى لك أجره عند الله.. دينار المسكين.. أم دينار أليسا؟
- جاوبني بالله عليك فأنا لاأدري: هل الغناء حلال أم حرام!!
المهم أنني قررت منذ أكثر من 11 سنة أن أغير أذني الموسيقية وأجعلها أذنا قرآنية.. وأجاهد النفس، أطرحها مرة وتطرحني مرة..
آآآه… ما أجمل أن تغيّر نفسك وتنتصر عليها.. وتضحك وأنت تمرغ شهواتها في التراب، وتعلق في رقبتها الحبل.. ثم تجرها خلفك من عالم المستنقعات الى المجد والطهارة والعلو والرفعة..
غيّر نفسك… ولنا حديث..

هناك تعليقان (2):

  1. جزاك الله خيرا فقد جربت قبلك وكنت من هوات الطرب ولكن كنت حينها اسمع القرآن دون خشوع وبعد ما غيرت اذني على قولك وتركت سماع الغناء سمعت القرآن وكأني أسمعه لأول مره انتابني شعور وخشوع فصدق من قال بأن القرآن والغناء لا يجتمعان في قلب واحد

    ردحذف
  2. سماع القرآن ممن تحلق بك قرائته المتأنية المتدبرة من اعلى متع الحياة الدنيا..
    الم يقل حبيبي صلى الله عليه وسلم اني احب ان اسمعه من غيري..

    ردحذف