الاثنين، 27 فبراير 2012

اقفز: من خيالي.. إليّ (عن وميض البرق: مستورة الأحمدي



 علي المسعودي
@allmasoudi 

يا أماني تبنّت كل حلم سعيد
فيك أنا فـْ لطف من يخرج من الميت حيّ
إنحنى ظهر كفي لـ اتجاهٍ وحيد
...................................
مرات عديدة سمعت - عبر اليوتيوب - قصيدة الشاعرة (مستورة الأحمدي) رحمها الله التي تناجي فيها ولدها..
...
ومازلت أتشوق للاستماع بهذا الابداع الناعم الجميل الخالي من كل زيف ومن كل تصنع،
بعيدا عن قصائد المدح المجانية ذات الثمن المؤجل التي يسكب فيها الشعراء ماء وجوههم في قارعة الطريق ويبيعون شوق القارئ إلى صدقهم بثمن بخس أو باهظ..
لقد فقدنا روح الشاعر المتمردة الرافضة
كما فقدنا شفافية الشاعر وحزنه وأمنياته الصغيرة ونفسه الحالمة الرقيقة..
والآن احتار بأي نفس أكتب عن هذه القصيدة
هل بنفس كاتب يريد إثبات جودة القصيدة فيبالغ في الإيغال؟
أم بنفس متلق احب ما سمع فأحس بطفولته تنهض فجأة لأن الشاعرة كانت تنوب عن أمه وعن كل أم؟
أم بروح ممتن عاد إليه الحنين القديم وقد أيقن أن (زمان الحنين انتهى ومات الكلام الجميل)؟
أيا كان...
سأملي على الورق مايحضر أمام قلبي من كل الرطب الذي أسقطته تلك النخلة الباسقة من الشعر
***
تقيم مستورة الأحمدي وليمة للأمنيات
تستدعي قلبها كي يحضر حفلا لمشروع سعادة.. فالجدب لايطاق وقد طال أمده وبلغ أوجه،
لاترفع يد الطلب إلا باتجاه أوحد..
فالروح التي قتلتها الوحدة فيها من الخصوبة ما يبعث الأمل.
بهذه المعاني تفتتح الشاعرة إحدى أشف وألطف القصائد:
................
(كهيعص؛ ذكر رحمت ربك عبده زكريا؛ إذ نادى ربه نداء خفيا...)
ورب زكريا هو رب مستورة أيضا... إذن:

(................
وهلّ غيث استجابه هز قاعي بـ ريّ)
أحسنت الشاعرة افتتاح لهفتها وبدأ نبض الحياة يسري في العروق الجامدة.. وأمطر صوت الطفولة.. ليفك ريق النشيد:

بين شريان حب وبين لهفة وريد:
مرجح القلب واقفز من خيالي إليّ
أول العمر صرخة فك ريق النشيد
رد ضحكة فم الوردة لـ قطرات ميّ

ومن ورطة الكتابة ومجازفاتها أن تكتب عن قصيدة جميلة ومحبوكة وناعمة مثل هذه،
ولعل أجمل ما اقتنصت الشاعر من صور... هذه الصورة التي تنفس فيها الصبح في الوقت الذي تنفس فيها الوليد... واستبقا الباب ليقدا قميص حزنها.. واختلط الوجهان... فاحتضنتهما معا:
توأم الفجر يا وجه الحياة الرغيد
من هو اللي سبق منكم وصبّح عليّ ؟

آسف... هناك صورة أجمل من الصورة الشعرية التي مضت.. فالأدوار تم تبادلها.. وقبل أن تكسو الأم وليدها كسوته الأولى.. كساها هو ثوبا حاز المركز الأول في معرض أزياء الحياة.. لأنه ثوب الحياة:
إيه يا طفل لبّس دنيتي ثوب عيد
فاز في عرض زينتها على كل زي

لا.. هناك صورة شعرية أجمل من كل مامضى.. فالطفل لابد أن يكون أبا فورا:
ضمني لين ترويني محبة و زيد
داخلي طفل أصغر منك يحتاج بيّ
صيح واحتج واكسر فل صمت الحديد
ضقت من وحدةٍ خرسا لها الدمع خيّ

ثم تتوالى طلبات (الأم/ الابنه) وهي تشرع في نثر طلبات طفوتها المؤجلة،
تريد كل شيء
وستخبره بكل شيء
مثل عزيز يعود من سفر طويل فنسعى أن نخبرة في ساعة بكل ماحدث أثناء غيابه...
جاء الطفل ليكون الرجل في غياب واضح ومقصود لوالده ووالدها.. هيا اكتب فوق ورق طال عصف الشمس له:
 
شق صفر الدفاتر ثور ثورة عنيد
واضحك بحب يضحك لي معك كل شيّ
كفر القيظ عن ذنبه بطلعٍ نضيد
صارت يديك أغصان و محانيك فيّ

ثم يختفي صوت الطفلة ويحضر صوت الأم.. لمحة لغوية رائقة في (ونيّف)... وأرق في إيحاء (هل من مزيد).. وأدق في (الرشد غي)... تتبدى قليلا لمحات الحكمة وستتكشف فيما بعد..
كل عام ويقصر ثوب طفلي الجديد
وانطوى عقد مع نيّف من العمر طيّ
مر بالطيش واقصر وان دعاك المزيد
كون فارق ولا تلبس على الرشد غيّ

وفيما يأتي سنعرف الفارق بين نصائح الأبوة ووصايا قلب الأمومة... لأنها توصي باحترام حالات الدمع وهو مالا يمكن أن يحصل مع الرجل:
لا تعالى على دمعك بحجة شديد
لا تظن البطولة هدّ وابطش وعيّ
في هوى النفس آفة كل رايٍ سديد
والمحبه علاج وآخر الطبّ كيّ
طير بـ جْناح إيمانك وعزمك بعيد
كم طموحٍ لوى يد الصعيبات لي
واترك اسمك احني بك كفوف القصيد
لانّ كل المتاح لـْ رسم بعضك شويّ


ومن السهل لمستشف معاني القصيدة أن يعرف سبب معاناة الشاعرة من غياب الوالد... وتعمدها تغييب الزوج... لكن لماذا غيبت اسم ابنها عن  قصيدة تخاطبه بها؟..
...
ما أوجع أن تغيب في قلب المبدع المعاني مثل غصّة..
ما أوجع أن يغيب المبدع غيابا باكرا..
كانت مستورة هنا.. وقد مرّت كوميض برق خاطف،أغزر وأعمق من أن تتجاهله الذاكرة، وأسرع من أن تحبس شعاعه في إطار له صورة..


هناك تعليق واحد:

  1. القصيده رائعه وانت اضفت اليها مزيدا من الروعه عندما تعجبك قصيده اجزم انها مميزه حتي لو قراتها وابدا في البحث عنها

    ردحذف