إذا نزل القضا ضاق الفضاء «الشافعي»
متى يرتاح هذا الهدهد المسافر؟ متى يجد شجرة تؤويه؟ متى يركن إلى غصن لا يخاف من بندقية تقترب بين الحفيف تترصده؟ كم شجرة مستعارة نام في حضنها فأيقظوه منها في الهزيع ليطردوه؟ كم من شجرة اندس بين أغصانها وأوراقها هربا من برد.. فهربت أغصانها عنه وتركته عاريا متجمدا! كم من مرة عاد ليجد يدا عابثة عاثت في عش صغاره وسرقت قوتهم، كم مرة فر بجناح مرتجف وقلب منهك ليلوذ بأمان لا يعرف أين يجده؟ كم من مرة حاول فيها الاستسلام للنوم لكن قلبه ظل مستيقظا قلقا غير آمن في سربه.. لا يملك قوت يومه، كم من مرة نفض جناحيه في السماء مرتعشا مرتعدا وهو يسأل: من له حق امتلاك هذا الفضاء؟ من أعطى لنفسه حق ملاحقة الطيور التي لا تريد أكثر من مساحة تقي رجليها من عثرة؟! لقد تعب هذا الطائر المسافر كثيرا وهو يطالع في عيون كثيرة تترصده وفي نظراتها شهوة الاقتناص والالتهام، تعب هذا الطائر الحزين الفرار من جائعين لا يرون فيه إلا لحما مشويا، وتعب الهرب من فارهين لا يرون فيه إلا ريشا يصلح لوسائدهم، وتعب الاختباء من عجائز يردن رأسه لسحر يقيهم الشر، ومن أطفال يتمتعون وهم يلاحقونه بالحجارة ويتدربون فيقذفونه بالموت، وعابرين يودون معرفة سر جماله. تسلمه ريح إلى ريح، وتأخذه أرض إلى أرض، ويعبر من بحر إلى بحر، كم وعدوه بالأمان فأخلفوا، كم حلفوا له بالأيمان فكفروا، كم حضروا له عشاء ليقتنصوه، كم قال لهم: أنا الهدهد المحرم قتله.. فحاولوا اغتياله، ومازال يبحث عن خبر مدينة تعبد الشمس من دون الله، لا تنشغل بعرشها العظيم عن صغر حجمه، مازال يبحث عن أرض لا فخاخ فيها.
يطير هذا الهدهد وفوقه حجارة، ومن تحته فخاخ، من ورائه بنادق، ومن أمامه مؤامرات، شبع من الفزع وتعب من الوصب، مازال يطير وحيدا وحيدا وحيدا.. حزينا حزينا حزينا.
أما آن لهذا الطائر أن يحط؟