أرتدي أجمل وأغلى ملابسي الشتوية الأنيقة.. لأذهب بها إليها
أقابل وجهها الصبوح على شاطئ البحر، فأعيش مع ملامحها وخفقات أجنحة طيور البحر أشهى البرد، وأنا أتحرك في أوردتها.. كأصابع طفل يمشي فوق رمل الشاطئ.
أضرب معها موعدا في البر البعيد.. في الروضتين مثلا، حيث احتمالات المطر أكثر حضورا.. وأغازلها
بما يليق ببهائها وفتنتها وسحرها.
أعرفها منذ «كل سنوات عمري».. منذ أن كنت أنا، وأنا لا أكون أنا إلا بها ومعها.. أحب قسوتها، وطيبتها، وأصالتها، وكرمها، وحتى غباءها، وأتشظى فوق خريطتها..
وعندما أعود.. لا أتركها، فأنا أذهب بها إليها، وأعود - منها - بها..
ليست لغزا، ولا سرا، وكم أحبابها غيري.. فمن يقاوم حبها العنيف، وسحرها العفيف.
«الجنة تحت أقدام الأمهات».. فالجنة إذن تحت أقدام الكويت، الميلاد والمنتهى.. الحضن والمشتهى، الفرح الغارق في الدمع، والممكن الذي تجاوز المستحيل..
بلادي، ملاذي.. ودفتر ذكرياتي، عندما كان العمر هو القلم، والشوارع هي الورق، وكان انسكاب الحبر على امتداد السنوات يسجل كل شيء..
في صفحة الصيهد كانت خطوط الكتابة الأولى، في الأطراف كان الشروع في الأحلام، في الجهراء.. بدأ الفصل الثاني من رواية العمر، في الشويخ أشرقت أقماري، في كل الجامعة تمددت أغصاني، في الأحمدي تصاعدت الأحداث وامتلأ العمر بالتشويق والأشواق.. وفي مطارها كان دوما.. كل إقلاع لا يطيب إلا بعودة مرتقبة..
أعرف أنفاس الشجر في منفذ النويصيب عندما أعبر المنفذ بعد غياب طويل، وأعرف ملامح الأرض من الأعلى عندما تقترب الطائرة كأنها قبلة مرسلة من السماء إلى الأرض.. أطل من النافذة، هذه بنيدر، الفحيحيل، خزانات الأحمدي.. أعرف السيارات الصغيرة المارة في الدائري السابع، وأعرف المسار الآخر: رأس الأرض، استاد جابر، الفروانية، ومن هنا: من المطار أعود إلى قلب الكويت النابض بكل جميل. أتنفس بعمق، أملأ
صدري بأعذب هواء..
ويحضر القول: من الصعب نقل الإنسان من وطنه، لكن من المستحيل نقل وطنه منه.