أنا لست سياسيا، لكن السياسية هي التي سيستني، مثلما يسيس السائس خيله، فقد كنت مثل حصان جامح متمرد على الأعراف، لا أهتم بالمسؤولين ولا أعرف أسماء الوزراء، ولا أتتبع أخبار الأمراء، ولا أهتم بالقوانين ولا بموادها وتفاسيرها، فلحظة قراءة مقطع شعري شفاف أهم عندي من كل اجتماعات القادة، وأجمل من قرارات الجامعة العربية!
أنا رجل أحببت الأدب، فقرأت الرواية وقرأتني القصيدة، وكتبت القصة وسكنتني اللوحة واختزلتني الصورة، وفككت مكامن الجمال في الحل والسفر.. في الشمس والقمر.
أنا لا أتدخل في السياسة، لكنها هي التي تتدخل في حياتي، فأجدها محشورة في كتاباتي، وبين ألعاب أطفالي، وأجد في فراشي بقايا عظام جثة التهمتها السياسة خلسة، ومضت مثل ذئب مخادع.
أجدها في رسائل هاتفي، في عيون الشعراء الحزينة، أجد شعرا بطعم التصريحات الصحافية، وأنا أمضغ لقمة من وجبة الغداء اليومية، وألمح عيون الأعضاء المراوغة في كل مقطع شعري أكتبه أو يكتبني، وفي كل قطعة أدبية أريد نتاجها..
أيها السياسيون، يا من تتحكمون في حياتنا وتتمنون لو ملكتم مفاتيح مماتنا، أيها السياسيون، يا من أشبعتمونا بالكلمات لكمات في الخارج، ثم تحولتم إلى الداخل تريدون أن تهزمونا في مبادئنا وفي عقائدنا وفي هواياتنا..
نرجوكم لا تقربوا منا نيرانكم، خذوا الأموال، استمتعوا بالميزانيات والمناقصات والسهرات الخضراء والصفراء والحمراء، واتركوا لنا أمننا.
لن ننازعكم في ثرائكم وفي مواكبكم وفي قصوركم الفسيحة، هنيئا لكم بالشواطئ والنساء.. خذوها كلها، واتركوا لنا هدوءنا.
لن نثور ولن نحتج، ولن نخرج في مظاهرات.. تحاربوا وتصارعوا بعيدا عنا.
فقط اتركوا لنا تفاصيل أيامنا وأولادنا، لا تفرقوا بيننا وبين جيراننا، لا تألبونا على العقائد، ولا تبغضونا في المذاهب،
ولا تفسدوا الهواء النقي حولنا.
أيتها السياسة، يا مطية كل من امتطاها، يا من تمارسين فن الصمت بعدة لغات، ويا من تتكلمين بكل لغات العالم.. نرجوك لا تسيسينا واتركينا مثل خيول برية تسرح في البيد، وتصهل كما تشاء.
أيتها السياسة.. نحن مختنقون بك.. فارفعي يديك عن رقابنا..